الأزمة السعودية – الإيرانية الحالية هي قبل كل شيء أزمة الدور الإيراني في الإقليم. أزمة حدوده. وأزمة طبيعته. وهي أزمة مقلقة. الحرب فيها كارثة. والتوتر الدائم محفوف بالأخطار. والمخرج وحيد. علاقات طبيعية بين دول طبيعية. يحق للإيرانيين أن يعيشوا في الداخل على جمر الثورة. هذا شأنهم وقرارهم. لكن في الخارج لا تستقيم العلاقات إلا إذا قامت مع دولة طبيعية. عندها يمكن اللقاء تحت خيمة القاموس الدولي الذي يحدد الحقوق والالتزامات وآلية حل الخلافات. الدولة الطبيعية تطمئن وإن تعاظم دورها. الدولة المحمولة على رياح الثورة تقلق وإن زينت خيارات المرشد بابتسامات الرئيس.
كانت أزمة الدور الإيراني البند الوحيد على جدول اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي. والبيان الذي صدر بإجماع المشاركين يؤكد أن أزمة الدور الإيراني لا تعني السعودية وحدها. وكانت البند الوحيد على اجتماع وزراء الخارجية العرب أمس في القاهرة. وقد كشفت مقررات الاجتماع وجود أزمة عربية – إيرانية جوهرها قلق العرب من طبيعة الدور الإيراني وحدوده.
تعايش العرب في السنوات الماضية مع اختراقات إيرانية كبرى على ملعبهم. أظهرت التجارب أن إيران صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في بغداد. وتصرفت إيران بعد اندلاع الأحداث في سورية على قاعدة «تكون سورية كما كانت أو لن تكون لأحد». وليس سراً انه لا يمكن تشكيل حكومة في لبنان أو انتخاب رئيس للجمهورية من دون الاستحصال على جواز مرور من طهران.
أجد صعوبة في فهم بعض الخطوات الإيرانية التي أدت إلى تحويل الدور الإيراني هاجساً مقلقاً لدى الدول العربية في الخليج. هل قررت طهران الإفادة إلى أقصى حد من النهج الانسحابي لباراك أوباما؟ هل اعتبرت أن توقيع الاتفاق النووي يحيد الغرب ويعطيها فرصة إنجاز انقلاب كبير ونهائي في الإقليم يقوم على تحجيم أدوار السعودية ومصر فضلاً عن تركيا؟
والحقيقة أن ما جرى في اليمن هو الذي حول الدور الإيراني هاجساً مقلقاً. استولى الحوثيون على صنعاء وأسلحة الجيش اليمني. وقاموا بمناورات على الحدود مع السعودية. والأمر الغريب أنهم استولوا على مضيق باب المندب غير آبهين بالقلق الإقليمي والدولي الذي يثيره استيلاء ميليشيا مسلحة على معبر حيوي من هذا النوع. كانت المغامرة الحوثية أكبر من القدرة على الاحتمال والدليل أنها لم تترك للسعودية غير خيار الحرب. هل كانت إيران مضطرة لمغامرة من هذا النوع في اليمن؟ وهل خانت البراعة جنرالات «الحرس الثوري» حين سارعوا إلى الاحتفال باجتذاب عاصمة عربية رابعة إلى الفلك الإيراني؟ وهل أساءت إيران تقدير قدرة السعودية على اتخاذ قرار كبير من دون دعم واشنطن؟ وهل يندرج استهداف السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران في هذا السياق؟
لا ينكر أي عربي أن إيران دولة كبيرة وعريقة في الإقليم. ولا ينكر أحد أن من حقها بهذه الصفة أن تكون صاحبة دور ونفوذ. لكن تجربة أهل الإقليم في الأعوام الماضية تضعهم في حيرة. هل تريد إيران دوراً بارزاً في الإقليم أم تريد الدور الأول فيه؟ وهل سعيها إلى الدور الأول يتضمن بالضرورة تحجيم أدوار سائر القوى الإقليمية وخصوصاً السعودية صاحبة الثقل العربي والإسلامي بحكم قوتها الاقتصادية وموقعها الديني؟ وهل يطمح الدور الإيراني إلى انتزاع زعامة الإقليم وموقع الزعامة في العالم الإسلامي أيضاً؟ وهل يغيب عن بال طهران أنها لا تمثل الأكثرية لا في الشرق الأوسط ولا في العالم الإسلامي؟ وأن إصرارها على انتزاع هذا الدور يتخذ في النهاية منحى انقلابياً لا بد أن يصطدم بمصالح الأكثرية ومشاعرها؟
يحق لإيران أن تكون صاحبة دور بارز في الإقليم. لكن هل يحق لها حجز هذا الدور من دون الالتفات إلى حصانة الحدود الدولية والقوانين الدولية والأعراف الديبلوماسية؟ وهل يحق لها أن تنشئ على أراضي الآخرين جيوشاً موازية مستقلة؟ وهل يحق لها أن تعتبر نفسها المرجع الديني والسياسي معاً للشيعة العرب وأن تذهب في محاولة اجتذابهم إلى حد تهديد سلامة خرائط بلدانهم والنسيج الوطني فيها؟ وهل يحق لإيران التدخل لاعادة صياغة المشهد السياسي في دولة عربية واعتبار أي تدخل عربي هناك لاحتواء تدخلها عدواناً خارجياً؟
ساهمت إيران في جعل السؤال عن حدود دورها السؤال الأول لدى دول مجلس التعاون الخليجي ومعها دول عربية وإقليمية. السؤال عن حدود الدور الإيراني هو سؤال عن حدود دور العرب في الإقليم وعن شروط أمنهم واستقرار دولهم وسلامة نسيجها الوطني. وهو سؤال أيضاً عن دور الأكثرية السنية فيه في ضوء الدورين الإيراني والروسي. والسؤال لا يعني أبداً التمهيد لحرب يتفق الجميع في اعتبارها كارثة بل لعله فرصة لمغادرة لعبة حافة الهاوية والعودة إلى علاقات شبه طبيعية تغيب عنها الاختراقات الحادة التي تمزق دولاً وتدمي شعوباً.
العربية – الحياة