هناك من يعتبر ثناء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على “مجهود” الرئيس الأمريكي لدفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ردة فعل دبلوماسية محنكة, وقسم آخر يعتبرها استكمالاً لمواقف سابقة بدأها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عندما بارك جهود الرئيس الأمريكي الأسبق “بيل كلينتون”, والنتيجة واحدة, استمرار سياسة الاستيطان وتهويد القدس وقضم مساحات جديدة من أراضي الضفة الغربية من قبل دولة الكيان الصهيوني المحتل, وبقاء ملف عودة المهجرين والنازحين الفلسطينيين هي مجرد كلام يطلق في الهواء, بل على العكس تماماً يلوّح ترامب بقضية نقل عاصمة الكيان الصهيوني المحتل إلى مدينة القدس وجعلها عاصمة أبدية لدولة إسرائيل, فما هي الإيجابيات التي لمسها عباس لإطلاق هذا الثناء الحار على جهود ترامب الداعمة مباشرة لإسرائيل؟
فخلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن, فاجأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس الكثيرين، بالثناء العريض على الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتحدث عباس عن ترامب، الذي وعد بـ”التوصل” إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وفلسطين، قائلاً إنه “شجاع” وحكيم، وأشاد بـ”القدرة التفاوضية الكبيرة” للرئيس الأميركي. وختم الضيف الفلسطيني حديثه بعبارة باللغة الإنجليزية: “الآن سيدي الرئيس.. معكم لدينا أمل”.
إذن يعبر عباس عن امتنانه الكبير المفعم بالأمل للرئيس الامريكي دونالد ترامب, الذي ظهر بمظهر الحاكم “المطاع” من قبل جميع حكام الدول العربية والإسلامية, خلال زيارته الأخيرة لمنطقة الشرق, ولكن الجدير بالذكر أكثر, أن ترامب الذي مدحه عباس, لم يشر في تصريحانه العلنية إلى حل الدولتين, ولم تتضمن إعلاناته المبهمة حول السلام”المذكورة 11 مرة” إشارة إلى حاجة إسرائيل لإنهاء بناء المستوطنات غير القانونية, بل على العكس, فحقيقة الأمر أن ترامب تراجع في تصريحاته عن تلك الصيغة التي استخدمها في كثير من الأحيان في الماضي “إسرائيل والفلسطينيون”..
في حين أن ترامب أثار جدلاً وتخوفاً كبيرا لدى أوساط الشارع الفلسطيني, عندما تحدث خلال حملته الإنتخابية عن نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس, ودان قرار أوباما المنتهية ولايته بالإمتناع عن التصويت على قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة, يدين المستوطنات الإسرائيلية, وألحق ترامب كل تلك الخطوات النظرية بخطوة فعلية لا تعبر سوى عن الإنحياز الكامل لدولة الإحتلال, عقب توليه لمهامه في البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية, فعيّن سفيراً أمريكياً لدى إسرائيل, هو محاميه, “ديفيد فريدمان”, الذي لديه تاريخ طويل في دعم القضايا الإسرائيلية اليمينية, بما في التبرع لمستوطنة في الضفة الغربية.
صمت عباس:
كل هذه المؤشرات السابقة, التي لا تعبر سوى عن رغبة ترامب بإحداث فارق كبير في دعم دولة الإحتلال مقارنة مع أقرانه السابقين “رؤساء أمريكا”, صمت عنها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وامتدح جهود ترامب الساعية للسلام وحل الدولتين!, بل وباركها بالثناء العظيم..
ربما يكون عباس قد برر لنفسه هذا الموقف بناءً على دعوة ترامب له لزيارة البيت الأبيض في وقت مبكر جداً من ولايته, وقد يكون هذا الموطن تحديداً هو بيت القصيد الذي لمس عباس التفاؤل الكبير من خلاله..
زاوية اخرى لتفاؤل عباس:
الاهتمام الوحيد الذي أبداه ترامب لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني, هو تكليف صهره “جاريد كوشنر” كمستشار جدير بالثقة, وإن كان عديم الخبرة تماماً, بالوساطة في اتفاق السلام.
وبطبيعة الحال، فإن الوعود بالوساطة في عملية السلام ليست شيئاً جديداً بالنسبة لرئيس أميركي؛ لكن ترامب ليس رئيساً عادياً للولايات المتحدة.
ويتشجع العديد من الفلسطينيين بحقيقة أنه لا يبدو ملتزماً بالأيديولوجيات والالتزامات، المعتادة من جانب الأحزاب السياسية الأميركية. فمن وجهة نظرهم، أن الرئيس الأميركي الذي وضع “أميركا أولاً”، بالتأكيد لن ينفق الكثير من الجهد السياسي والمال على إسرائيل، التي تقدم فائدة استراتيجية قليلة للولايات المتحدة، على حساب زيادة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
صورة ترامب باعتباره صانع صفقة تعزز هذا الطرح. وفي حين أن وعوده بعقد “صفقة نهائية” ليست مدعومة بتفاصيل كثيرة، إلا أنها لاتزال محل اهتمام فلسطينيين يزداد إحباطهم من عملية سلام، لم يكن لها تأثير يذكر عدا السماح لإسرائيل بتوسيع وتعزيز احتلالها للأرض الفلسطيني..
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.