«وأنا كمان… أكيد… رح تبقي ذكرى حلوة بحياتي…»؛ بتلك الكلمات همس لؤي من سريره في المشفى لحبيبته سهر عندما كانت تخابره هاتفياً لتطمئن على صحته.
كان 21 آذار 2013 يوماً لا ينسى في مصير قصة الحب الكبيرة التي جمعت لؤي وسهر ودامت سبع سنوات، عندما تعرض المكتب الإعلامي الذي يعمل فيه الشاب للقصف. أصيب الحبيب المهذب. نقل إلى تركيا. بترت ساقه ودخل في غيبوبة. لا تكف سهر عن البكاء، ولا تعرف كيف تطمئن عليه، تريد رؤيته. حصلت على رقم الهاتف الموجود مع والدته وكانت ترافقه في المشفى. ما أن عرفت الأم أن المتصل هو سهر حتى انفجرت بالبكاء ولم تعرف ماذا تقول. وقع خبر بتر ساق لؤي كالصاعقة على سهر التي أصرت على مخابرته يومياً، وكان يتمتم بصوت منخفض متعب: «وأنا كمان… أكيد أكيد». بعد الخروج من المشفى قرر قطع علاقته مع سهر رأفة بها، فهو لا يريدها أن تكمل حياتها مع معاق، وقرر السفر إلى أوربا علّه يستطع إكمال دراسته وتركيب طرف ذكي. وكان آخر ما سمعته منه: «ما بدي أظلمك معي.. أنا صرت معاق، وما فيني عيّشك. ما عاد فيني أمشي معك ولا أحملك بين يدي. شوفي نصيبك». منذ ثلاثة شهور تزوجت سهر من شاب نازح من ريف حماة إلى بلدتهم.
* * *
فاطمة (24 عاماً) من جبل الزاوية. تعرفت على أنس الذي ينحدر من قرية قريبة إثر تضحية كبيرة قدمها لأجلها، بعد أن وصل رقم جوالها لضابط المخابرات المسؤول عن أمن جامعة حلب حيث كانت تدرس، وحاول ابتزازها. استعانت وقتها بأبناء بلدها على إحدى غرف السكايب للخلاص منه، فقرر أنس مساعدتها رغم صعوبة الوضع بحلب وعدم معرفته بالفتاة التي تطلب المساعدة، إذ ربما تريد توريط الشباب الذين يتظاهرون في الجامعة وكشفهم. ورغم ذلك استطاع أن يخلّصها من ذاك الضابط في ربيع 2012، فزرع الحب في قلبيهما وتعاهدا على الزواج. اضطرت فاطمة إلى مغادرة الجامعة والعودة إلى بلدتها في منتصف ذلك العام والتحق أنس بالثوار في حلب. حاولت كثيراً التواصل معه دون جدوى، ولكنها لم تفقد الأمل ببقائه على قيد الحياة. بدأت ضغوط الأهل على فاطمة للقبول بالطبيب الذي تقدم لخطبتها فرفضت وأصرت على انتظار أنس الذي استطاعت التواصل معه من جديد عبر النت في بداية 2015، وعاد الحب ليزهر في حياتها ويتعمق في نفسها. في آب من ذلك العام تحدث معها مطولاً وشعرت أنه الحديث الأخير، أخبرها أنه يتجهز لمعركة في شمال حلب. في اليوم التالي كانت تقلب الفيسبوك فشاهدت صورته مضرجاً بالدماء. لم تستطع قراءة الكلمات، كاد قلبها يتوقف عن النبض وهي تحاول القراءة. استشهد أنس ليترك فاطمة غارقة في بحر من الدموع. بعد عام أُجبرت على الزواج من قريب لها لكنها لم تستطع الاستمرار، فصورة أنس لا تفارقها. وبعد شهور من زواجها قررت الانفصال، وهي تعيش الآن على ذكريات الحب.
* * *
«ما عاد أعرف شو ساوي. ألم الانتظار بيقتلني كل يوم ألف مرة»؛ بهذه الكلمات التي ترافقها الدموع خاطبتنا إيمان محمد (25 عاماً) من أهالي سهل الغاب. تنتظر خطيبها الذي اعتقل منذ أربع سنوات على حاجز الحاكورة بالقرب من بلدة الزيارة. تقول: «هو بالنسبة لي كل شيء، لا أتخيل أن تستمر حياتي بدونه. سأنتظره مهما طال الزمن. تحاول أمي إقناعي أنه مات لأن أخباره مقطوعة بشكل كامل، لكني أشعر أنه حي، أشعر بوجوده معي. لا أستطيع الاقتناع بأني لن أراه».
* * *
سامر خليف (29 عاماً)، من ريف حماة، يقول: أحببت جهيدة كما لم يحب بشر بشراً آخر، لم أتخيل أن تتركني، لم أتصور في حياتي أنه سيأتي يوم ولا نسهر معاً على الوتس أب لساعات. التقيتها في نزوحنا الأول، وتعارفنا لأننا جيران وكلانا نازح، وسرعان ما شعرت أنها الملاك الذي أنتظره منذ سنين. بادلتني المشاعر، وبارك أهلها وأهلي هذا الحب العذري، وبتنا حديث الأسرتين. بعد سنتين من قصة غرام طويلة تقدمت لخطبتها فبدأت تماطل رغم موافقة أهلها، بل إن أباها كرر على مسمعي مرات أنه سيكون سعيداً جداً في حال تزوجت ابنته. لكن جهيدة الحالمة بالذهاب إلى أوربا وجدت ضالتها في أحد الذين هاجروا إلى هناك، إذ اتفقت مع ابن جيرانهم الموجود في شمال ألمانيا على التقدم لخطبتها، وطلبت منه الإسراع بلمّ الشمل!
أكرم الأحمد / كاتب وصحفي سوري
نقلا عن عين المدينة