لا تقتصر معاناة المواطن السوري على القصف والقتل والدمار فقط، بل يتعدى الأمر لكيفية تعايشه مع ذلك الوضع بعد الدمار، وخاصة بعد استهداف النظام للمنشآت الخدمية التي يستخدمها كسياسة متبعة (سياسة الأرض المحروقة) لإذلال المواطن السوري في تأمين متطلباته الأساسية وفي لقمة عيشه أينما وجد، مدمرا كافة الخدمات التي من شأنها أن تؤمن استمرار حياته.
عمد النظام باستهدافه شبكات الكهرباء إلى خلق شلل شبه كامل في كافة مجالات الحياة وزيادة معاناة المواطن، لتتوقف كافة أشغالهم و السعي في الحصول على البدائل، بعد فقدان الأمل في عودة التيار الكهربائي لأغلب المدن السورية وخاصة المحررة.
وجد السوريون أنفسهم مضطرين للبحث عن مصادر للطاقة البديلة، لإعادة إنعاش المدن التي انقطع عنها التيار الكهربائي،
والتعايش مع الوضع الجديد، فسارع تجار الأزمات لزيادة المولدات الكبيرة بجهد عال والبطاريات الملحقة برافع الجهد،
ليؤمنوا بذلك فرصة عمل جديدة لهم من تلك التجارة.
يرى صهيب أحد سكان مدينة إدلب، أن انعدام الكهرباء هو السبب في الغلاء مضيفا، ” كانت الأمبيرات رحمة لنا فأنا لا أملك مولدة خاصة ويكفيني 2 أمبير لتشغيل ضوء وتلفاز”.
يتراوح سعر الأمبير مابين 1500 – 2000ليرة سورية للأمبير الواحد شهريا، وتتوقف ساعات التشغيل حسب سعر المازوت.
على حد تعبير أصحاب الأمبيرات.
أبو علي الذي يعمل في بيع الألبان والأجبان في الشعار بمدينة حلب: ” اضطررت لشراء مولدة جديدة لأن ساعات تشغيل الأمبير لا تكفي لحفظ اللبن والجبن من الفساد خاصة في فصل الصيف الحار”.
أن يدفع المواطن السوري مبلغا كبيرا على الرغم من ظروفه المعيشية القاسية خيرله من أن يعيش ظلاما دامسا، وكما يقول المثل الشعبي أن تشعل
شمعة خير من أن تلعن لون العتمة.
انقطاع الكهرباء مرتبط إلى حد كبير بالمياه، لأن المياه تعتمد بشكل رئيسي على المولدات الكهربائية لضخها، المياه سر الحياة
ليلجأ المواطن السوري للآبار والصهاريج، يجد المواطن صعوبة في الحصول عليها، إذ لا يمكنه الاستغناء عنها لفترات طويلة
كما الحال في الكهرباء، لاستعمالها في كافة مجالات الحياة من تنظيف وطبخ وشرب.
بينما يلعب أطفال العالم ويتعلمون، تجد الطفل السوري واقفا في طوابير المياه المزدحمة منتظرا دوره، وسيم طفل يتيم يبلغ من
العمر 11 عاما يقف منتظرا دوره، ” أنقل هذه الأوعية عدة مرات إلى منزلي لكي تقوم أمي بغسل ملابسنا”.
صغار ولكنهم أبطال فالعمل الذي يقومون به يرهق الرجال.
و تتحدث زهراء البالغة من العمر 16 عاما في بستان القصر بحلب ” بيتنا في الطابق الرابع واضطررت لتعبئة الماء فأبي
معتقل وإخوتي صغارا لأخفف عن أمي المريضة صعوبة النقل لوحدها”.
وكانت بعض المنظمات الإغاثية قد لجأت لبناء مناهل للمياه وذلك للتخفيف عن المواطن، واستمراره في الحياة، ولكن
أصبح الأمر متعبا جدا فلجأ بعض الناس للاستغناء عن الوقوف على الطوابير ليحضر صهاريج ويملأ خزانه مباشرة بكلفة
أكبر، وكالعادة لتجار الأزمة دور في رفع الأسعار حسبما يشاؤون.
أبو عبدو مواطن من دير الزور ” قد يصل سعر ليتر الماء إلى 3 ليرات سورية أي ما يصل إلى ثلاثة آلاف ليرة للألف لتر”
مضيفا ” أحيانا لا يتوفر لدينا حتى ماء للشرب، فاضطر لشراء بعضها على الرغم من غلائها”.
أما في المناطق المحاصرة كالغوطة الشرقية يعاني المواطن الأمرين في الحصول على المياه،
يقول مصطفى أحد سكان الغوطة الشرقية، ” نضطر أحيانا لجمع مياه الأمطار بسبب، أو نقلها من الآبار البعيدة”.
والمشكلة ليس فقط في الحصول على المياه فأغلبها تعبأ من الآبار المالحة وغير صحية، لكن ما من بديل.
لقد تعايش المواطن السوري مع هذه الأزمات، في صراع من أجل البقاء والاستمرار.
فمن الموت تظهر الحياة ومن المعاناة تولد الإرادة ومن الوجع ستعود البسمة.
سلوى عبد الرحمن
المركز الصحفي السوري