يعود ذلك إلى إغراق أسواق الساحل السوري بمختلف البضائع الرديئة التي يقوم الشبيحة بتهريبها براً من لبنان، وبحراً عن طريق موانئ النظام.
الجمارك السورية على الحدود وفي الموانئ هي المتهم الأول بإدخالها، والشبيحة يعودون لمجدهم الذي فقدوا قسماً منه نهاية القرن الماضي.
أغذية فاسدة
تمتلئ الأسواق في مدن طرطوس وجبلة واللاذقية بكميات هائلة من السلع المهربة، وخصوصاً المواد الغذائية، معظمها من الأنواع الرديئة، أو منتهية الصلاحية، تدخل عن طريق لبنان، بواسطة عصابات الشبيحة، مرتبطة مع عناصر الجمارك على الحدود وقيادات الأفرع الأمنية، التي تتقاضى أتاوات كبيرة من المهربين، لقاء تسهيل عملهم.
تكتظ الأسواق بمختلف أنواع المعلبات، كالسردين، والتونا، والمارتديلا، والزيوت المهدرجة، ذات الماركات المجهولة، بالإضافة إلى أنواع الأسماك المثلجة، ولحم الجاموس، ومعظمها مجهول المنشأ، وغير صالح للاستهلاك البشري.
تباع في الأسواق العامة، والأسواق الشعبية، كسوق الجمعة في مدينة اللاذقية، مع غياب كامل للرقابة الصحية والتموينية.
بديل مقبول في ظل الغلاء
تتميز هذه المواد بانخفاض أسعارها، مقارنة مع السلع المراقبة، والتي دخلت إلى البلاد بطريقة نظامية، وتحظى بإقبال الفقراء على شرائها.
وحسب آراء الشارع، فهي بديل مقبول، وتشكل وجبة غذائية رخيصة الثمن، تغني عن طبخة منزلية، في أغلب الأحيان، مع انعدام السيولة الكافية لدى الناس لشراء اللحوم الطازجة.
وعبّرت الحاجة “خديجة” من حي الرمل الجنوبي لـ “اقتصاد” عن ذلك بقولها: “كل أسبوع أذهب إلى سوق الجمعة، وأشتري كغ من لحم الجاموس المثلج المفروم، وبضعة أنواع من المعلبات، تكفيني مع زوجة ابني، وحفيدي أسبوعاً كاملاً”.
واستطردت: “لا نستطيع شراء لحم الضأن، وحتى الخضار، والفاكهة هي غالية جداً بالنسبة لنا، ابني هرب من أمن النظام، ولا يوجد معيل لنا سوى مساعدات الناس، ونحن نتدبر أمرنا بأقل ما يمكن”.
بيع بالجملة
“ثلاثة بـ 500 ليرة”، هكذا ينادي المساعد أول المتقاعد، “أبو منير الصافتلي”، في سوق الجمعة، على معلبات يبيعها، ليس عليها تاريخ إنتاج أو انتهاء صلاحية، وعند انتهاء اليوم يخفض السعر، ليصبح أربعة بـ 400 ليرة، قبل أن يودع السوق، بما جمعه من أموال الفقراء.
همس “أبو منير” للناشط الإعلامي “محمد الساحلي”، الذي حاول التقرب منه بدعوى الرغبة بالعمل معه: “ما رأيك أن أشغلك معي، وأنا أؤمن لك البضاعة، يومياً، وأنت تبيعها على بسطة في سوق الرمل الجنوبي، ابني عنصر في الأمن، ويذهب يومياً إلى الحدود اللبنانية، ويحضر كمية من المهربات، وقد ربط الأمر مع كل الأطراف، وتستطيع العمل معي بأمان”.
تعدد الجهات المهربة
يعمل على إدخال المواد المهربة، مجموعة من الأطراف المتفقة مع بعضها، عناصر الجمارك والأمن والشبيحة، بالإضافة إلى بعض المغامرين العاطلين عن العمل.
الجمارك هي المستفيد الأكبر، إذ يعملون بأنفسهم، بالإضافة إلى تلقيهم الرشاوى من الباقين، بينما تصل حصص مديرية التموين ومكتب المراقبة الصحية، إلى مكاتبهم، بالإضافة إلى ضباط الأمن.
وقد عبّر “سلطان عقل” عن غضبه لفساد جهاز الجمارك: “إن جهاز الجمارك وعناصره لهم الدور الكبير في تدمير سوريا، وهم الذين قبضوا على إدخال البضاعة من المنافذ، فإلى متى سوف يظل هذا الجهاز، المنحل أخلاقياً، جالساً على صدر الاقتصاد السوري”.
وأضاف: “كلهم فاسدون، وكيف لا يكونون كذلك، وتسعيرة توظيفهم ملايين الليرات”.
ويصفهم “فيصل الخطيب” بجملة واحدة: “الجمارك عصابة يحميها القانون”.
تسمم يتكرر
يكاد لا يمر يوم إلا ويصاب شخص أو أكثر بالتسمم الغذائي جراء تناول الأطعمة الفاسدة من لحوم وأسماك ومعلبات مهربة.
وبما أن مراقبي الصحة يتلقون الرشاوى من المهربين فالحال مستمر على ما هو عليه، ولم تنفع نداءات كثيرة أطلقتها شبكات إعلام موالية للنظام لوقف تهريب المواد الغذائية.
وهذا ما عبرت عنه شبكة أخبار الساحل، وأضافت أن مديرية الصحة لا تستطيع فعل شيء مع المهربين وباعة المهربات لأنهم مرتبطون بالفروع الأمنية وقيادات الشبيحة في الساحل السوري.
وكانت أسواق المهربات الرخيصة راجت كثيراً مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض قيمة الليرة السورية وانخفاض دخل الفرد والأسرة.
طارق حاج بكري – اقتصاد