عرفت بشار الأسد, رئيس سوريا, منذ أن كان طالبا في الكلية في لندن, وأمضيت العديد من الساعات وأنا أتفاوض معه منذ أن تولى منصب الرئاسة. وكان ذلك في الغالب بطلب من حكومة الولايات المتحدة خلال الأوقات التي سحب فيها سفراؤنا من دمشق بسبب الخلافات الدبلوماسية.
لدى بشار ومن قبله والده, حافظ, سياسة أن لا يتكلموا مع أي أحد في السفارة الأمريكية خلال فترات القطيعة تلك. ولكنهم كانوا يتكلمون معي. لاحظت أن بشار الأسد لم يعد مطلقا إلى أحد مرؤسيه لتلقي النصيحة والمعلومات. فالسمة المستمرة الأكثر بروزا لديه هي العناد, وربما كان من المستحيل عليه نفسيا أن يغير رأيه – وبالتأكيد حتى لو كان تحت الضغط.
قبل أن تبدأ الثورة في مارس 2011, كانت سوريا مثالا جيدا للعلاقات المتناغمة بين العديد من جماعاتها العرقية والدينية المختلفة, التي تشمل العرب والأكراد واليونان والأرمن والآشوريين المسيحيين, واليهود والسنة والعلويين والشيعة. عائلة الأسد تحكم البلاد منذ 1970, وكانت فخورة جدا بهذا الانسجام النسبي بين هذه الجماعات المختلفة.
عندما طالب المتظاهرون في سوريا بالإصلاحات التي طال انتظارها في النظام السياسي, رأى الرئيس الأسد في ذلك جهدا ثوريا غير شرعي للإطاحة بنظامه “الشرعي” وقرر حينذاك وهو مخطئ في ذلك قمعها باستخدام القوة غير المبررة. وبسبب العديد من الأسباب المعقدة, فقد حصل على دعم قواته المسلحة ومعظم المسيحيين واليهود والشيعة والعلويين وآخرون ممن كانوا يخشون من سيطرة المسلمين السنة المتطرفين على الحكم. وقد كان احتمال الإطاحة به مستبعدا.
كان مركز كارتر منخرطا في الشأن السوري بعمق في سوريا منذ بداية الثمانينات, وقد شاركنا أفكارنا مع كبار المسئولين في واشنطن, سعيا إلى الحفاظ على فرصة الوصول إلى إلى حل للصراع الذي ينمو بسرعة كبيرة. على الرغم من الاحتجاجات المستمرة, فإن موقف الأمريكان الأولي تمثل في أن الخطوة الأولى في حل النزاع تتمثل في إسقاط الأسد من منصبه. أولئك الذين يعرفونه رأوا أنه مطلب غير مجد, ولكن تم الإصرار عليه طيلة أربع سنوات. في الواقع, شرطنا المسبق لجهود إحلال السلام كان مستحيلا.
حاول كل من كوفي عنان, الأمين العام للأمم المتحدة السابق, والأخضر الإبراهيمي, وزير الخارجية الجزائري الأسبق, وضع حد للنزاع كممثلين للأمم المتحدة, ولكنهم تخلوا عن جهودهم غير المجدية بسبب عدم التوافق بين أمريكا وروسيا ودول أخرى حيال مصير الأسد خلال عملية السلام.
في مايو 2015, قام مجموعة من القادة العالميين ممن يعرفون باسم الحكماء بزيارة موسكو, حيث أجروا مباحثات مكثفة مع السفير الأمريكي والرئيس الروسي السابق ميخائيل غورباتشوف ورئيس الوزراء السابق يفغيني بريماكوف, ووزير الخارجية سيرجي لافروف وممثلين عن مراكز دراسات تضمنت مركز كارنيغي في موسكو.
حيث أشاروا إلى الشراكة الطويلة بين روسيا ونظام الأسد والتهديد الكبير الذي تمثله الدولة الإسلامية على روسيا, مع العلم أن هناك 14% من سكان روسيا هم من المسملين السنة. في وقت لاحق, سألت الرئيس بوتين حول دعمه للأسد, وحول جولتي المباحثات التي عقدت مع ممثلين عن فصائل سورية. فأجاب أن هناك قليلا من التقدم أحرز, وأنه يعتقد أن الفرصة الوحيدة والحقيقية لإنهاء لاصراع بالنسبة لأمريكا وروسيا هو انضمام إيران وتركيا والسعودية إليهم تحضيرا لطرح حل سلمي شامل. وهو يعتقد أيضا أن جميع الفصائل السورية, عدا الدولة الإسلامية, يمكن أن تقبل بأي خطة تؤيدها هذه القوى الخمسة, مع وجود إيران وروسيا إلى جانب الأسد والثلاثة الآخرين إلى جانب المعارضة. وبموافقته, نقلت هذا الاقتراح إلى واشنطن.
خلال السنوات الثلاث الماضية, عمل مركز كارتر مع السوريين على اختلاف توجهاتهم و قادة مجموعات مسلحة ودبلوماسيين من الأمم المتحدة ودبلوماسيين أوروبيين على إيجاد طريق لوقف الصراع. هذا الجهد كان قائما على بحوث رقمية حول الكارثة السورية التي أجراها المركز, والتي كشفت عن أماكن الفصائل المختلفة وأظهرت بوضوح أنه ليس هناك أي طرف في سوريا يمكن أن يحقق النصر عسكريا.
القرار الذي اتخذته روسيا مؤخرا لدعم نظام الأسد من خلال الضربات الجوية وقوات عسكرية أخرى صعد من حدة القتال, ورفع مستوى التسليح وربما يزيد من تدفق اللاجئين إلى الدول المجاورة وأوروبا. في ذات الوقت, ساهم في توضيح الخيار بين العملية السياسية التي يفترض أن فيها لنظام الأسد دورا والحرب التي تشكل فيها الدولة الإسلامية تهديدا أكبر على السلم العالمي. بوجود هذه البدائل الواضحة, فإن الدول الخمسة التي ذكرت آنفا يمكن أن تصيغ مقترحا جماعيا. ولكن للأسف, فإن الخلافات ما بينهم لا زالت موجودة.
اقترحت إيران خطة للحل مكونة من أربع نقاط متتالية قبل عدة أشهر, تتكون من وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإصلاحات دستورية وانتخابات. من خلال العمل مع مجلس الأمن والاستقادة من اقتراح الدول الخمس, فإنه يمكن إيجاد بعض آليات العمل التي يمكن تطبيقها للتوصل إلى هذه الأهداف.
إشراك روسيا وإيران أمر أساسي. التنازل الوحيد الذي قدمه الأسد خلال السنوات الأربع كان التخلي عن الأسلحة الكيماوية, وقد قام بذلك تحت ضغط من روسيا وإيران. وبالمثل, فإنه لن ينهي الحرب عبر القبول بتقديم تنازلات يفرضها الغرب, ولكنه على الأرجح سوف يقوم بذلك إذا طالبه حلفاؤه بتقديم التنازلات.
يمكن أن تنتهي سلطة الأسد الحاكمة فيما بعد عبر عملية منظمة, ويمكن إقامة حكومة توافقية في سوريا, ويعد ذلك يمكن بذل جهود متضافرة للقضاء على تهديد الدولة الإسلامية.
التنازلات ليست مطلوبة من الجهات المتصارعة في سوريا فقط, بل من الدول التي تدعي أنها تريد السلام ولكنها ترفض التعاون مع بعضها البعض
نيويورك تايمز
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي