خطار العارف
لو امتلكت قدرات التخاطر وسماع ما يدور في رأس بشار ابن حافظ الأسد عندما يضعه رأسه على وسادة النوم، لسمعته يردد في سره ما يلي:
أنا بشار ابن حافظ الأسد، والدي دوخ الدنيا واستمر، وأنا أعظم منه وسأستمر رغماً عن أنوفهم.
في الحقيقة يلومونني على ما فعلت وأفعل، وهذا ظلم كبير لي ولنا، فقد نبهنا جميع أعدائنا وحذرناهم منذ القديم من الاقدام على أي عمل يزعزع سلطتنا. ففي نيسان 1964 قمنا ب “بروفا” صغيرة، وقتلنا 500 شخص فس مدينة حماه، وقصفنا بعض المباني وهدمنا جامع السلطان. وبعد 18 عام، وبالتحديد في شباط عام 1982، ارسلنا تحذير أبلغ لما يمكن أن يحدث إن قام أحد ضدنا، فطبقنا العقاب الجماعي، وهدمنا عدة أحياء في المدينة فوق رؤوس ساكنيها، وقتلنا قرابة 20 ألف حموي، ولا يهم إن كانوا أبرياء أو ممن حملوا السلاح ضدنا. وقد اصبح فعلنا في حماه يعرف على المستوى الجدولي ب “قاعدة حماه 82″ ويعرف بالانكليزية (Hama 82 rule).
وحتى عام 2004 عندما اعتقد الأكراد أن الظرف تغير بعد احتلال حماتهم الأمريكان للعراق، وقاموا بمظاهرات في الحسكة، قتلنا 14 شخص منهم، ثم قتلنا تسعة في حلب ممن حاولوا احياء الذكرى الأربعين للقتلى السابقين: وكل هذا ليأخذ الجميع الدرس، ولكنهم لم يأخذوا الدرس، وظنوا أن 2011 تختلف عما مضى. وبالتالي لا ذنب لي ولنا فقد حذرناهم.
عندما اعتقد السوريون أن 2011 تختلف بعد انطلاقة موجة من تغيير الأنظمة في تونس تبعها مصر وليبيا واليمن، أردنا أن يفهوا أن سوريا تختلف وأن تركيبة جيشنا وقواتنا الأمنية تختلف. وأرسلنا لهم تحذيراً قوياً حين خرجوا للتظاهر في درعا، فأطلقنا النار عليهم كي يفهوا أنه ليس بإمكانهم التظاهر بدون عقاب جماعي صارم، ولكن السوريون أصروا وركبوا رأسهم هذه المرة، فكان لا بد لي من تطبيق قاعدة حماه 82 على نطاق واسع، وايقاع العقاب الجماعي بالمناطق التي تخرج للتظاهر ضدي.
لقد كان قراري صائباً منذ الأيام الأولى عندما قطعت المفاوضات مع أهالي درعا المعتصمين في الجامع العمري وأمرت بالهجوم عليهم ليل 23 آذار 2011 وأصدرت بياناً يقول: لقد أعلن الشيخ الصياصنة “إمارة إسلامية في درعا” واكتشفت قواتنا تحت الجامع مستودع أسلحة ومشفى ميداني”. ورغم أنه بيان مفبرك من قبلي، ولكن الكثيرين صدقوه، والأهم إنه كان أعلان عن استراتيجيتي لمواجهة التظاهرات السلمية.
لقد نجحت استراتيجيتي التي رسمتها منذ هروب بن علي، وهي ان أدفع أية تظاهرات ضدي نحو نحو التأسلم والتطرف والتسلح، لإخافة فئات واسعة من السوريين من هذه الانتفاضة ولإخافة الحكام العرب، بمن فيهم حكام الخليج الذين يمولون الانتفاضة ضدي بالمال والسلاح، ولإخافة حكومات الغرب والشرق وشعوبها من هذه الانتفاضة. وقد نجحت عبر استخدام القتل والتعذيب ضد المتظاهرين وتقصد اهانة المعتقدات وتسريب فيديوهاتها، ونجحت في دفع الحراك الشعبي نحو حمل السلاح والتطرف. كنت متأكداً أن إطلاق الرصاص والقتل ثم القتل والإهانة واستفزاز المشاعر سيدفع بالحمقى نحو استخدام السلاح. ونجحت في اعتقال وقتل وتصفية القيادات الأولى لأنها كانت قيادات خبيرة ومجربة وتفهم لعبتي فلا تنجر إليها، لذا كان لا بد من التخلص منهم، مما افسح في المجال أمام خروج قيادات برؤوس حامية وخبرة باردة. وإنني اشكر الأخوان المسلمين والتنظيمات الاسلامية وأشكر الاسلاميين الذين اطلقتهم من سجوني على تلبية احتياجاتي ودفع الحراك نحو التسلح والتطيف والتطرف. كما ساعدني خروج التظاهرات من المساجد، وتسمية ايام الجمع بأسماء دينية، ساعدني في تخويف الأقليات وفي اقناع الطبقات الوسطى والعليا من السنة فوقفوا إلى جانبي. كما ذرعت الخوف في قلوب المجتمعات الغربية التي ينمو لديها فوبيا التطرف الاسلامي فتعاطفوا معي وكرهوا الانتفاضة والمعارضة.
لقد كانت خطتي ذكية في ترك مستودعات السلاح مفتوحة كي يحصل عليها المتظاهرون، فالسلاح باليد يغيّب العقل ويغري باستخدامه، وهذا ما حصل. أصلا لقد قالها صهري المرحوم آصف شوكت، الذي قتلته لأنه كان يفكر بانقلاب علي، كما قتلت الحريري الذي كان يخطط لإخراجي من لبنان، قالها للؤي حسين في شهر حزيران سنة 2011 قال: طالما أن المتظاهرون حملوا السلاح فقد انتهت اللعبة لصالحنا، لأنهم أتوا الى ملعبنا الذي نتفوق فيه.
الآن بعد قرابة اربع سنوات، أنا سعيد بانتصاراتي، فقد عملت ونجحت في أن أضع الشعب السوري و العواصم العربية والعالمية التي تعاديني، أن اضعهم جميعاً امام حقيقة مرة في حلوقهم وهي: “إما أنا وإما داعش”، وقد ساعدني اعدائي الذين يدعمون ويؤيدون المنتفضين ضدي في الوصول الى هذا الواقع، أكثر مما ساعدني اصدقائي في طهران وموسكو، فشكراً لهم، ساعدوني بتنافسهم على دعم المعارضة بطريقة أدت لشرذمتها وضعفها، وساعدوني في ترددهم، مما أعطاني الفرصة كي انفذ استراتيجيتي، وساعدوني بتجاهلهم لقدوم تكفيريين من كل حدب وصوب وهو الأمر الذي سعيت اليه بقوة. والآن اراهن على تعب الجميع، اما انا فلن أتعب.
صحيح ان ايران ساعدتني بدفع قوات شيعية عراقية ولبنانية لمساعدتي وقدمت لي دعم مالي، كما ساعدتني روسيا بالحماية السياسية وبالسلا،ح ولكن دعمهم ما كان له تلك الاهمية لولا صمودي، فلو هربت كما هرب بن علي أو كما هرب رئيس اوكرانيا أو استسلمت كما استسلم مبارك لما كان لدعمهم أية قيمة، فصمودي هو الأساس في كل ما تحقق. وصحيح أنهم يدعمونني لمصالحهم الخاصة، ولكن ما العلة في هذا، فهو تلاقي مصالح.
اليوم أنظر لنتائج كل ما حصل، صحيح ان داعش تسيطر من شرق حلب وحتى العراق، وأن النصرة تسيطر على غرب حلب وادلب وشمال حماه، والأكراد يسيطرون على المناطق التي يشكلون فيها اغلبية، وان قوى المعارضة باتت تسيطر على الجولان وجنوب درعا وجزء كبير من الغوطتين الشرقية والغربية ووادي بردى وحتى الحدود اللبنانية ومناطق جبال القلمون، ولم يبق لي سوى أقل من 40% من اراضي سوريا تخضع لسلطتي، وصحيح أنهم يتهمونني تسببت بمقتل أكثر من 300 ألف سوري، وجرح وإعاقة أكثر من 700 ألف، ونالت طائفتي حصة الأسد من القتل، وصحيح انني دمرت مدن وبلدات وقرى كثيرة بلغت مليون ونصف بيت، وهجرت أكثر من عشرة ملايين نصفهم إلى خارج سوريا، يعانون الموت والبرد القارس ويغرقون في البحار في بحثهم عن ملجأ، و دمرت البنية التحتية و بنية المجتمع السوري المتعايش، وذرعت الأحقاد لعقود، وهذا ثمن مرتفع، ولكن لو لم ينتفضوا لما أجبروني على فعل كل هذا، ولو قبلوا بي إلى الأبد لما فعلت شيئاً من هذا ولبقيت سوريا كما كانت. ولا يهمني مطالباتهم بالحرية والكرامة وإقامة حكم ديمقراطي، فقد أخذنا السلطة بالقوة ولن نتركها.
ألم يقل لهم ابن خالتي رامي قبل انطلاقة االانتفاضة في آذار: لا تجربونا فلدينا قوى كثيرة … ولكنهم لم يقتنعوا حينها، ولكن الآن أظنها اصبحت واضحة لديهم. ألم نقل سلفا الأسد إلى الأبد، و الأسد أو نحرق البلد؟ الم تروا ما فعله رجلنا المخلص رستم غزالي اذ قام بتدمير بيته الكبير في مزرعته الواسعه التي اشتراها بفضل نعمي عليه، دمره كي لا تستولي عليه المعارضة السورية، هكذا فعلنا وهكذا سنفعل. وبالتالي هم المسؤولون عن هذا،
فملكوك العرب وأمرائهم وشيوخهم يحكمون بلدانهم الى الأبد، و
ماذا لو ورثت الحكم عن والدي ؟ هل أختلف عن الحكام العرب من ملوك وأمراء وشيوخ الذين يرثون الحكم أبا عن جد؟ في الحقيقة “ما في حدا احسن من حدا”. على الأقل أنا اعمل استفتاء على رئاستي، بينما هم لا يفكرون بهذا. ثم هم يدعمون انتفاضة سورية لتقيم حكم ديمقراطي في سوريا، بينما ترتعد فرائصهم من كلمة حرية وديمقراطية، فلماذا أنا وليس هم؟؟؟ هم يلعبون بالنار فلو انتشرت الديمقراطية لهزت عروشهم. أنا في الواقع أدافع عن مصالحهم وهم لا يدركون.
المهم أنني في النهاية انتصرت، أو كدت، على جميع أعدائي، وليس أمامهم سوى ان يسلّموا بانتصاري، هي بضعة شهور وينتهي كل شيء.
يا أعدائي أنتم الآن ضائعون ومترددون ولا رؤية ولا استراتيجية لديكم لإنهاء الأزمة السورية، وهذا يساعدني كثيراً، لذا سأساعدكم واقدم لكم رؤية واستراتيجية لا بديل عنها وهي: قبولي وإعادة تأهيلي وأن نضع يداً بيد تحت قيادتي لمحاربة الإرهاب، فأنا اكثر من يعرف الإرهاب وهؤلاء الارهابيين مفاتيحهم لدى، وخيوطهم بيدي او بيد مرجعيتي طهران، وأنا شريك يعتمد عليه في مكافحة الارهاب الذي ترتعد فرائصكم منه، بينما لا اقيم انا له وزناً. الآن لا مناص لكم، فأقروا جميعاً بهزيمتكم واستسلموا واعترفوا بسلطتي وأعيدو تأهيلي، وحينها سأرى كيف أكافئكم بعطاءاتي.
إن لم تستسلموا وتسلموا أمركم لي سأستمر باستراتيجيتي، ولا تعنيني جنيف ولا حتى موسكو التي تسعى لتسويقي وتلميع صورتي عبر مؤتمر موسكو 1، وأعلم انها طبخة بحص لن يخرج منها شيء، سأستمر، ولا يهم حينها إن اتيت على ما تبقى من سوريا وشعبها، بمن فيهم طائفتي التي أحبها كثيراً. فما قيمة طائفتي أو قيمة سوريا من بعدي؟
فمن بعدي الطوفان، من بعدي الطوفان، من بعدي الطوفان!.
يكررها ثلاثاً ثم ينام.
خطار العارف.