حمّل الفنان السوري، وعضو “منصة القاهرة للمعارضة السورية” جمال سليمان، مختلف الأطراف السورية مسؤولية الأوضاع الكارثية التي وصلت إليها البلاد.
وقال سليمان في مقابلة خاصة مع “عربي21”، إن حل المسألة السورية لم يعد بيد السوريين، وإنما بيد الدول المنخرطة في إدارة هذا الملف المتشابك المصالح.
وشدد على حاجة سوريا إلى قيادة سياسية جديدة، وعلى ضرورة رحيل الأسد ليحل مكانه سوري آخر، يبدأ مع الشعب السوري حقبة شاقة في إعادة بناء الحجر والبشر، قائلا: “في سوريا كلنا مهزومون، ولا يمكن لأي طرف أن يتحدث عن انتصار”.
وفي ما يأتي نص المقابلة:
– لنبدأ من آخر المستجدات المتعلقة بالشأن التفاوضي السوري، وهنا نسأل ماذا بعد مؤتمر الرياض الأخير، وهل ما زال متوقعا أن نشهد إعلانا عن وفد تفاوضي موحد للمعارضة؟
تجري مشاورات معمقة بهدف عقد جولة ثانية من مؤتمر الرياض بهدف تقييم المرحلة السابقة، والمتغيرات الكثيرة التي تلاحقت بعد المؤتمر الأول.
– إلى من تحملون مسؤولية عدم التقدم بالمسار التفاوضي، وكيف تقيمون موقف المعارضة بتشكيلاتها الثلاثة “الهيئة العليا للمفاوضات، منصة موسكو، منصة القاهرة” كل على حدة؟
المسؤولية الأكبر تقع على النظام، فهو لم يتردد في الإشارة، في كل مناسبة، إلى أن المفاوضات لا تعني له شيئا، و أنه ما زال يطمح للحل العسكري.
هنا لا بد أن نتذكر أنه لو كان النهج السياسي أولوية بالنسبة للنظام منذ البداية، لما كانت سوريا وصلت إلى هذه النتائج المأساوية، والتعقيد الذي جعل كثيرا من دول العالم تتجنب الدخول في تفاصيل الملف السوري.
بالمقابل، فإن هذا لا يعفي المعارضة من المسؤولية، لأن جزءا منها راهن هو أيضا على الحل العسكري، واعتبر أن المسار السياسي غير ذي أهمية ما لم يتألف من بند واحد، ألا وهو استسلام النظام وتسليمه لمفاتيح القصر الجمهوري، وكذلك قبلت هذه المعارضة أن تنخرط في تحالفات ظنت أنها ستسرع من تحقيق رؤيتها، كما حصل في سكوتها عن تنامي الحركات الجهادية، واعتبارها، ولو في الخطاب الضمني، رديفا للثورة.
لكن هذه التحالفات أدت الى نتائج عكسية، حيث إنها شوّهت مسار الثورة، وفي النهاية خدمت النظام وجعلته في نظر البعض، خيارا يمكن التفكير به.
أما بالنسبة للمعارضة السياسية المدنية، و نحن في مؤتمر القاهرة جزء منها، كان رهاننا فقط على الحل السياسي، مع إيماننا بأنه سيتطلب تنازلات هي في النهاية أقل كلفة مما وصلت إليه المعارضة والبلاد معا، بالمقابل علينا أن لا ننسى البعد الإقليمي و الدولي الذي لعب دورا كبيرا في حالة التشويش و الانقسام في صفوف المعارضة، و كذلك في تشجيع النظام على إهمال المسار السياسي لصالح العسكري.
إن ما شهدناه خلال السنوات المنصرمة كان إدارة للأزمة أكثر منها محاولة جدية لوضع نهاية لها، والنظام كان أكثر خبرة و احترافية في فهم السياسة الدولية وآليات صنع القرار فيها، لذلك كان يعرف كيف يستفيد منها عندما يكون ذلك ممكنا، و يتحداها عند الضرورة، على عكس المعارضة التي نسيت أو تناست أن الساسة في الدول الداعمة للمعارضة يفكرون في الفوز بالانتخابات أكثر مما يفكرون بمصيرنا.
وعلى كل ذلك أصبح بديهيا القول بأنها ليست مسألة سورية-سوريه، بل هي صراع إقليمي و دولي تحاول الدول المنخرطة، أو المؤثرة فيه أن تحقق مكاسب ليست دائما متعلقة بسوريا بل تتجاوزها الى مواضيع و تشابكات بعيدة جغرافيا و سياسيا عن سوريا. إن بقاء النظام من عدمه، وحرية السوريين ودولتهم الديموقراطية من عدمها ليست الموضوع كله بالنسبة لهم، بل هي أحيانا تفاصيل تأتي بالدرجة الثانية أو الثالثة في سلّم الأولويات.
– بناءً عليه، هل تنظرون بإيجابية إلى مسار التفاوض السياسي، وهل يمكن أن يفضي إلى خلاص ما، ينشده الشعب السوري؟
إنه المسار الوحيد أمامنا، لذلك علينا أن ننظر له بإيجابية، وعلينا أن نقدم الهم السوري على غيره من خلال إصرارنا و جديتنا لطروحاتنا.
علينا أن نحشد الرأي العالمي حول فكرة أن الحل العادل الذي يفضي إلى الدولة الديموقراطية في سوريا هو مصلحة ليس للسوريين فحسب بل للعالم أيضا، كما علينا أن نحشد كل طاقات المجتمع السوري من أجله، و ليس طاقات المعارضة فقط، لأن الحل السياسي لا يعني الشارع المعارض فقط، بل يعني الشارع السوري عموما.
– لكن علينا أن نرى أيضا أن جزءا من الشارع السوري الموالي أرادها حربا منذ البداية، أليس هذا صحيحا؟
بالتأكيد، و كان هو من بدأها، وهذا كان ركيزة النظام الاستراتيجية في التعاطي مع الانفجار المجتمعي السلمي الذي لم يخرج من أجل دين أو طائفة، ولا لكي يقتل أو يُقتل، بل خرج من أجل العدالة والحرية.
ومن هذا المنطلق كانت دعوات المعارضة المدنية للشارع الثائر منذ البداية بأن لا ينجر وراء السلاح ولا وراء الشعارات الدينية المذهبية لأنها لعبة سوف تقضي عليه.
– ذكرت أنه في مسار الحل السياسي لا بد من تنازلات، و هذا يدفعني للسؤال حول موقفكم الشخصي من مسألة بقاء بشار الأسد أو مشاركته في العملية الانتقالية، وأيضا هل تعتبرون شرط رحيله من قبل الهيئة العليا للمفاوضات شرطا مسبقا؟
كما تعلم فإن وثائق القاهرة واضحة حيال هذه النقطة، حيث رأى المؤتمر أنه “لا مكان لمنظومة الحكم القائم ولا لرئيسها في مستقبل سوريا”.
لكن متى و كيف؟، هذه مسائل متروكة لعملية التفاوض، هذا منطق لا يقوم على الرغبات والأمنيات بل يقوم على الواقع و معطياته، فالجماعات المسلحة، بعد ست سنوات من الحرب الضروس، لم تقترب من حدائق القصر الجمهوري، بل بقيت هناك في قرى المدنيين و في أحياء الفقراء والمهمشين الذين دفعوا ثمنا مؤلما لهذه الخيارات العسكرية.
كما كان واضحا للجميع، نظاما و معارضة، أن القضية السورية مع بداية السنة الثانية من الصراع لم تعد سورية، بل أصبحت قضية إقليمية و دولية بامتياز، و بالتالي فإن بقاء بشار الأسد أو رحيله و انتصارات الجماعات المسلحة و هزائمها كلها مسائل مفاتيحها خارج سوريا بالمعنى المادي و السياسي، لا الروس ولا الإيرانيون أخفوا اعتقادهم بأنه لولا تدخلهم لسقط النظام، و لا داعمو المعارضة المسلحة أخفوا ضبطهم لإيقاع هذه الجماعات من حيث تقدمها أو تراجعها على الأرض.
واليوم نحن مدعوون للمفاوضات بناء على تفاهمات جنيف و القرارات الدولية و على رأسها القرار 2254، وهي وثائق تنص على الانتقال السياسي تفاوضيا، ولا تأتي على ذكر بشار الأسد أو غيره.
بالتالي، فإن المطالبة برحيله مع بدء العملية التفاوضية سيعتبر من قِبل النظام، على الأقل، شرطا مسبقا لا تنص عليه الوثائق المُشار لها، ما يعطيه الذريعة أن يتهرب من استحقاق التفاوض.
لذلك علينا أن ندرك أننا لسنا في سجال الحق و الباطل، بل نحن في دائرة الممكن و المُتعذر، و مهمة المعارضة أن تزاوج بين الحق و الممكن، ولا شك أنها مهمة صعبة ومحفوفة بالغموض لأنها ستقوم في النهاية على أخذ المخاطرة، و في ذلك مسؤولية جسيمة، لا بد لنا من أن نعترف بذلك.
– في ذات السياق، اعتبرتم في وقت سابق أن المصلحة الوطنية هي المعيار الذي يجب أن يحدد بقاء الأسد من عدمه، وهو الأمر الذي اعتبر حينها تراجعا منكم عن مواقف سابقة، ما هو ردكم على ذلك؟
أبدا ليس تراجعا، إلا إذا كنت من الذين يعتبرون أن في بقاء الأسد مصلحة وطنية، نعم، هذا ما يجب أن نبني موقفنا التفاوضي عليه، ليست القضية اليوم قضية معارضة و نظام، فكلانا فشل و علينا أن نعترف بذلك.
وإذا كنّا اليوم نريد أن نصحح مسارنا ونقدم خدمة لوطننا فعلينا أن نعلي المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، والمصلحة الوطنية من وجهة نظر كثير من السوريين، وأنا منهم، تقول بأنه لا بد من قيادة سياسية جديدة في البلاد بعضها ممن عمل في النظام مدنيا أو عسكريا، و بعضها من كان في جبهة المعارضة و بعضها الآخر، و هذا مهم، من السوريين الذين انخرطوا ميدانيا في عمل المجتمع المدني، وفيهم طاقات شابة رائعة، اكتسبت خبرات كبيرة، و عبرت عن حس وطني عال، وركبت المخاطر، وتجاوزت عقبات هائلة في سبيل تقديم العون لمن يحتاجه.
أما الرئيس الحالي والذي سيكون بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، إن بدأت بعد أشهر، قد أتم عشرين عاما في حكم سوريا ثلثها حرب قضت على الحرث و النسل، و بالتالي عليه أن يترك مكانه لسوري آخر، يبدأ مع الشعب السوري حقبة شاقة في إعادة بناء الحجر و البشر.
– في هذه الحالة من هي الجهة الضامنة التي تستطيع فرض الرحيل عليه، على اعتبار أن “استمراره في الحكم لن يخدم الاستقرار المنشود في سوريا”؟
في هذا الأمر و في غيره من الأمور التي ستنتج عن المفاوضات السياسية، لا بد من ضمانات مجلس الأمن الدولي.
– على ذكر الرئيس السوري، ما رأيكم بماء جاء على لسانه في ظهوره الأخير؟ وما رأيكم تحديدا بحديثه عن “مجتمع متجانس وصحي” رغم كل الذي جرى بسوريا؟
عدا عما يتضمنه هذا الكلام من عداء و نكران لأكثر من نصف السوريين، فهو اعتراف منه بأنه الآن رئيس لجزء من السوريين و ليس لكل السوريين.
– هل تعتقدون فعلا أن النظام -كما يروّج- ذاهب نحو إعلان الانتصار، وأن محاولات تعويمه عبر بوابة العسكرة نجحت؟
في سوريا كلنا مهزومون، أي انتصار يمكن الحديث عنه و القواعد العسكرية الأجنبية في كل مكان، بعضها معلن و بعضها غير معلن؟
عن أي انتصار نتحدث و هناك على الأقل عشرة أعلام غير سورية ترفرف في سماء البلاد؟ عن أي انتصار نتحدث و نحن قد فقدنا نصف مليون من الشعب السوري و عشرات الآلاف من الجنود؟ عن أي انتصار نتحدث و الكراهية تنتشر انتشار الطاعون في الجسد السوري؟ لا يحق لأحد منّا أن يتحدث عن انتصارات.
– ما هي رؤيتكم للتطورات العسكرية والتبدلات في خارطتها، وخصوصا شمال سوريا في الرقة ودير الزور؟
الأمريكان سيحررون الرقة من تنظيم الدولة لتحقيق التكافؤ مع الروس الذين حرروا حلب، والنظام في طريقه لتحقيق النصر النهائي في دير الزور، و الجماعات المسلحة في حالة انكماش، و تنظيم الدولة (ككيان عسكري) في طريقه إلى الزوال، دون أن يعني ذلك بالضرورة انتفاء الفكر الذي أنتجه، كل ذلك لا يعني أبدا أن الحرب قد حطت رحالها فما زال هناك الكثير أمام هذا الهدف، فإدلب بمسلحيها و مدنييها ستكون معضلة كبيرة.
– أشرتم إلى أن زوال تنظيم الدولة عسكريا لا يعني زوال الفكر الذي أنتجه، هل من الممكن أن تولد تنظيمات جديدة تحمل المنهج الفكري و تقوم بالدور نفسه و لكن بأسماء جديدة؟
ما لم يتم القضاء على الظروف و الفكر الذي أنتج تنظيم الدولة وأخواته فإنها مرشحة كي تولد من جديد بعد سنة أو عشر أو أكثر، إذا كنّا لا نريد لذلك أن يحدث علينا أن نؤسس لنظام سياسي واجتماعي يقوم على العدالة وحرية النشاط السياسي العلني ضمن إطار دستوري حديث.
وكذلك علينا أن نعيد النظر بمناهج التعليم، ونعزز دور الفكر الحر و المساهمة المجتمعية الواسعة التي تشارك في صنع القرار و المصير، فتنتهي سردية المظالم المولدة للتطرف و العنف، وعلينا أن نفهم أن الثقافة هي عماد الهوية الوطنية، فإن كانت ثقافة حرة و منفتحة و تعترف بالتنوع كانت هويتنا متماسكة تنبذ العنف والتطرّف.
– هل ثمة مخاوف حقيقية لديكم من أن ما يجري من تثبيت لتقسيم مناطق النفوذ بين الأطراف الدولية فعلا، قد يقود إلى التقسيم؟
نعم، هناك مخاوف جدية من ذلك ما لم يتم اعتبار كل ما جرى تمهيدا لحل سياسي عادل و شامل يحفظ وحدة البلاد ويعيد للدولة السورية سيطرتها.
عربي 21