يأمل الجامعي السعودي عبدالله عبدالرحمن، في نسيان معاناته من العنصرية في جامعة آيداهو الأميركية، بعد أن قرر مغادرة الولاية بأكلمها، بحثاً عن أجواء طبيعية للدرس والتعلم، إذ تعرض لثلاثة اعتداءات عنصرية، تكللت بسرقة شقته ووضع ملصق على سيارته كُتب عليه “عد إلى بلدك، لماذا أنت هنا؟”.
معاناة عبدالله تكررت مع 50 من زملائه، تمت سرقة منازلهم في إبريل/نيسان الماضي، فيما تعرض آخرون إلى اعتداءات بالضرب، حتى وصل الأمر إلى طعن مبتعث، إلى جانب توجيه الشتائم للجامعيين السعوديين والكويتيين في المنطقة من جانب عدد من سكان مدينة بوكاتيلو بولاية آيداهو (شمال غربي الولايات المتحدة)، ممن يكرهون العرب والمسلمين كما يؤكد زميله الكويتي خالد مبارك، موضحاً أنه تمت سرقة 24 منزلا لطلاب كويتيين في المدينة بالتزامن مع السرقات التي تعرض لها السعوديون، في ظل ردود فعل ضعيفة من الشرطة الأميركية والجامعة، وهو ما أرجعه مدير النادي السعودي في المدينة عبد الله الدوسري، إلى أن الدعوات العنصرية التي أطلقها المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، كان لها تأثير كبير في تأجيج مشاعر الكراهية ضد المبتعثين السعوديين والكويتيين، مشيرًا في تصريحات صحافية، إلى أن آيداهو من الولايات المؤيدة لترامب.
وحصل ترامب على 28.1% في آيداهو، من أصوات المندوبين في الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الجمهوري، فيما حصلت مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، على 21.2%.
15% من جرائم الكراهية تُرتكب بالجامعات
يبلغ متوسط عدد جرائم الكراهية المسجلة في أميركا حوالى 6 آلاف جريمة كراهية سنوياً على مستوى جميع الولايات، بحسب إحصاءات مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية، وتتراوح نسبة ما يرتكب من هذه الجرائم في الجامعات والمؤسسات التعليمة (يبلغ عددها 4 آلاف مؤسسة عامة وخاصة) ما بين 10% إلى 15%، أي قرابة 900 جريمة كراهية سنوياً.
وبلغ عدد الدارسين السعوديين الذين تشرف عليهم الملحقية الثقافية في الولايات المتحدة، ( 125513 دارسًا ودارسة) وفقاً لإحصائية عام 2015، بحسب الملحق الثقافي في الولايات المتحدة الدكتور محمد بن عبدالله العيسى، فيما يبلغ عدد الطلاب الكويتيين 11 ألف طالب وطالبة، بحسب السفير الأميركي لدى الكويت، دوغلاس سليمان.
تعميم لحثّ الجامعات على حماية الطلاب المسلمين
عقب حادثة تشابل هيل التي قتل فيها ثلاثة طلاب مسلمين من أصول فلسطينية وسورية في ولاية كارولينا الشمالية (شرقي أميركا) في فبراير/شباط 2015، أصدرت وزارة التعليم الأميركية تعميماً تحثّ فيه مسؤولي الجامعات على العمل على حماية الطلبة المسلمين أو من يظن البعض أنهم مسلمون.
ودلّ التعميم بحسب جامعيين، على ارتفاع حدة المشاعر المعادية للعرب والمسلمين في أميركا بشكل عام ولطلبة الجامعات بشكل خاص، إلى درجة ظهور مخاوف من أعمال انتقامية ضدهم.
وتضمن تعميم وزارة التعليم الأميركية حثّ الكليات والجامعات الأميركية في جميع أنحاء البلاد على “تكثيف جهود مكافحة التمييز، ولا سيما ضد الطلبة القادمين من سورية وبقية دول الشرق الأوسط وتوفير الحماية لكل من ينظر إليه على أنه مسلم، أو قادم من بلد إسلامي”.
ووفقاً للتعميم الذي تم توزيعه إلكترونياً مطلع العام الجاري، فإن على الجهات المعنية العمل على: “حماية الطلبة من التعرض لمضايقات بسبب العرق، أو الدين، أو الأصل القومي، في أجواء الخوف والغضب من بعض الأحداث الدولية، وأحيانا من جراء التعبئة الخاطئة”.
وحذرت الوزارة من السكوت على الشتائم التي قد يتعرض لها أبناء اللاجئين السوريين، كما شددت على أهمية التعامل مع “أي تهديدات تتضمنها الكتابة على الجدران، والتعامل بحزم مع حوادث العنف الجسدي التي يتعرض لها أي طالب بسبب عرقه الحقيقي أو المتصور أو بسبب دينه أو خلفيته الثقافية”.
نعوت عنصرية
يؤكد طلاب عرب ومسلمون أميركيون، استطلع معد التحقيق آراءهم، أن العنصريين يستهدفونهم بالإضافة إلى “من يظنون أنهم مسلمون”، إذ وقعت حوادث عنصرية ضد سيخ ومسيحيين، ظناً من مهاجميهم أنهم مسلمون.
وتتراوح أنواع جرائم العنصرية ضد العرب في الجامعات الأميركية بين العنف الجسدي والعنف اللفظي، باستخدام النعوت الدالة على العرق والدين والبلد، مثل كلمات “إرهابيون”، “راكبو الجمال”، “زنوج الصحراء” ، “انتحاريون”، “كارهو أميركا” وفي بعض الأحيان، ينطق العنصريون كلمة “عرب” بطريقة تهكمية مسيئة. وغالباً ما يتعرض الطالب العربي إلى العنف الجسدي بمجرد تعرضه للعنف اللفظي.
ويطابق ما جاء في آخر تقرير صادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي (إف بي آي) في فبراير/شباط 2015، عن جرائم الكراهية على نطاق الولايات المتحدة، ما ذكره الطلاب المستطلعة آراؤهم، إذ لفت مكتب التحقيقات الفيدرالية إلى أن الغالبية من العرب في الولايات المتحدة الأميركية هم من المسيحيين، لكن الخلط يحدث دوماً بين المسيحيين والمسلمين العرب في الولايات المتحدة، لدرجة تعرضهم لاعتداءات ظناً من مهاجميهم أنهم مسلمون.
وقرر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، بدءاً من العالم الجاري أن يوثق للمرة الأولى في تاريخه الجرائم التي ارتكبت ضد العرب داخل الولايات المتحدة لدوافع عرقية على أن تعلن الأرقام في إحصاءات 2016 التي لم تصدر بعد، في حين أن الدوافع الدينية كثيراً من يثار الجدل حولها.
ووفق تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالية، فإن الجناة يتعرفون على ضحيتهم من خلال سماعهم له يتحدث باللغة العربية، أو عندما يقرأ صحيفة أو كتاباً باللغة العربية. ويتردد بعض الضحايا العرب في إبلاغ الشرطة بشأن تعرضه لعنف لفظي أو جسدي، كما يحاول البعض إخفاء أصلهم العربي حتى من الشرطة نفسها، كما أكد علي جاسم الطالب السعودي في الولايات المتحدة.
تطبيع مع استهداف المسلمين
صورة العرب والمسلمين لم يبدأ تشويهها منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001، وفقاً للمدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، نهاد عوض، بل إن التاريخ الأميركي “خلال 90 سنة ماضية رسم صورة المسلمين والعرب في قالب نمطي تشويهي، إذ قامت شركات هوليوود، والثقافة العامة الأميركية، بتقديمه على أنه جاهل ومتخلف ولا يحترم المرأة والآخر”.
ووفقا لتصريحات عوض إلى “العربي الجديد”، فقد نقل ترامب الخطاب المعادي للأقليات والمسلمين من هامش الإعلام والسياسة إلى تيار عام سياسي واجتماعي وإعلامي، أي أنه استطاع تطبيع ذلك الخطاب. وتابع “الإسلاموفوبيا والتحريض واستهداف الأقليات أصبحت سياسة معمولاً بها. لقد سبق بن كارسون، وتيد كروز الذي اقترح أن تجري مراقبة (الأحياء الإسلامية) رغم أنه لا يوجد مثل تلك الأحياء في أميركا. وكبار منظري الحزب الجمهوري، من أمثال نيوت غينغريتش، ساهموا جميعاً في تطبيع استهداف المسلمين، إذاً هؤلاء أوقعوا الضرر في خطاب إقصاء المسلمين، وهذا أحدث شرخاً في نسيج المجتمع الأميركي”.
ويحمل الناشط الإسلامي الأميركي إبراهيم هوبر، شبكات إعلامية مسؤولية نشر كراهية المسلمين، قائلا إن “حملات الكراهية في وسائل إعلام اليمن هي السبب في ما وصلنا إليه”، مضيفا لـ”العربي الجديد” أن “هناك في أميركا عشرات المليارديرات الكارهين للإسلام والمؤيدين لإسرائيل”.
العربي الجديد