على هامش المؤتمر العالمي للنفط الذي عُقد في إسطنبول، حل وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، يوم الأحد 9 تموز/ يوليو، ضيفاً على تركيا، ملتقياً، عقب المؤتمر، بنظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو، وفي اليوم التالي، الاثنين 10 تموز/ يوليو، اجتمع إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
ما يجعل لقاءات تيلرسون بالمسؤولين الأترك مثاراً للتساؤل، هو تزامنها مع العديد من التطورات في أقاليم عدة من الساحة الدولية. وللإجابة على تساؤلات المتابعين حول حيثيات اللقاءات، لا بد من طرح سؤال مفاده: ما هي محاور ونتائج هذه اللقاءات؟
وفي معرض الإجابة على سؤالنا، نبدأ الحديث من المسألة السورية التي تُمثل الأولوية أو المحور الأساسي للقاءات الأمريكية ـ التركية التي اتسمت بالتواتر في الآونة الأخيرة. تضطلع الولايات المتحدة بدور الداعم لوجستياً واستخباراتياً وعسكرياً لوحدات حماية الشعب الكردي “ب ي د” التي تُصنفها تركيا على أنها منظمة إرهابية تُشكل خطراً استراتيجياً على مصالحها القومية. الأمر الذي يؤدي بتركيا لبذل جهوداً دبلوماسيةً مضنيةً في إطار إقناع الولايات المتحدة للابتعاد عن هذا الدور، أو تخفيف كميات الأسلحة المقدمة لل”ب ي د”.
وفيما يخص هذه المسألة، ترغب تركيا في موازنة دعم واشنطن لل”ب ي د”، عبر المطالبة بإشراك بشمركة المجلس الوطني الكردي “السورية الموالية لها”، أو القوى العربية المحالفة في العمليات الجارية في الرقة، بهدف تخفيف حدة مخاطر “ب ي د” عليها بأقل مستوى ممكن. لكن، على الأرجح، لم تستطع تركيا، في هذه اللقاء أيضاً، إقناع الولايات المتحدة بهذه النقطة. ولعل مجرى المشاورات القصيرة، والتي بعتها تصريحات “تهديدة” تركية تشير إلى عزم تركيا على مواصلة استهدافها ال”ب ي د” القريب من حدودها، يعتبر مؤشراً على عدم توصل الطرفين إلى صيغة تعاون ملموسة تمنح تركيا وعوداً أمريكيةً حقيقيةً حول إيقاف “ب ي د” عن تحقيق المزيد من التقدم في الأراضي السورية، لا سيما في محيط مدينتي الرقة ودير الزور. وتدلل التصريحات التركية التي تبعت لقاء الطرفين على استغلال تركيا للزيارة في الضغط على الولايات المتحدة لدفعها صوب النظر في إمكانيات معالجة الوجود الكردي في محيط “عفرين”، لتفادي إجراء عملية عسكرية في المنطقة، أو كسب ذريعة دبلوماسية في حين عارضت الولايات المتحدة أي عملية عسكرية تركية في المنطقة المذكورة.
وتأتي الزيارة بعد أستانة 5، ومشاورات روسيا والولايات المتحدة على هامش قمة العشرين حول “مناطق تخفيض التصعيد”، وبما أن تركيا تحاذي الحدود الشمالية لسوريا، وبالأخص مدينة إدلب، فكان، على ما يبدو، مهماً بالنسبة للولايات المتحدة مناقشة تفاصيل الدور التركي في تلك المنطقة، أملاً في إبقاء تركيا، ولو جزئياً، في إطار التنسيق الحيوي معها، لا سيما بعد تصريح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن “روسيا تجري اتصالات مع بعض الجماعات الكردية في سوريا لتخفيف حدة الأزمة، إلا أن الولايات المتحدة متقدمة في دعمها وتسليحها”.
وفي ضوء حصول تركيا على دور “مباشر” في الأزمة الخليجية، من خلال وقوفها إلى جانب قطر، والتأكيد على رغبتها في انتهاج دور “الوسيط” أو “المُوفق” بين دول الأزمة، يكون قد حظي اللقاء، على الأرجح، بمناقشة إمكانيات التعاون المشتركة في حل الأزمة. ولعل تصريح أردوغان بأنه ينوي القيام بجولة تشمل دول الخلاف، يحمل في طياته ملمحاً لوجود تنسيقات بين البلدين. تنسيقات مردها أن تركيا دولة إقليمية لا يمكنها القيام بدورٍ فعال من دون وجود تأييد من قبل إحدى الدول العظمي، والتي تعتبر في هذا المقام الولايات المتحدة التي ألمحت في الآونة الأخيرة إلى أنها تنوي حل الأزمة، مخافة تفاقم تداعياتها السلبية على المنطقة. ولا شك في أن تركيا تشكل دوراً “تسهيلياً” فاعلاً لمحاولات الولايات المتحدة في هذا الصدد، وهو ما يجعل الولايات المتحدة تدفع بتركيا نحو انتهاج هذا الدور.
وفي حال أخذنا بعين الاعتبار الروابط القومية التي تجمع بين تركيا وسكان شبه جزيرة القرم التي ألحقتها روسيا بأراضيها عام 2014، إلى جانب الاهتمام الأمريكي في القضية رغبةً في الحصول على موطئ قدم يؤثر جيو ـ سياسياً في توجهات روسيا، حينئذٍ يُتوقع أن القضية حازت على اهتمام جيد بين الطرفين. وفي ضوء البعد القومي أيضاً، لا يمكن إغفال نقطة تناول الطرفين لقضيتي “تلعفر” “وكركوك” اللتين تحتصنان أكثر تركمانية ترتبط بتركيا قومياً، وتفرض على حكومتها اتخاذ إجراءات تجنبها خطر الاصطدام مع الحشد الشعبي. وإن لم يكن هناك نتائج ملموسة للزيارة، إلا أنه قد يجري تنسيق أمريكي ـ تركي ـ عراق ملموس فيما يتعلق بالقضيتين.
وعند الحديث عن العلاقات التركية الأمريكية، أضحى من التقليدي تشاور الطرفين على قضية تسليم الولايات المتحدة زعيم جماعة غولن، فتح الله غولن، المقيم في ولاية بنسيلفانيا، إلى تركيا، إلا أن تأكيد تيلرسون مجدداً على المعايير القانونية للقضية بوحي بأن هناك انعدام لأي تقدم ملموس في ذلك المحور.
في المحصلة، بالرغم من خيبة الأمل التي أُصيبت بها أنقرة من الإدارة الأمريكية الجديدة التي فضلت التنسيق مع “ب ي د” على حساب تركيا في العمليات الجارية في شمالي وشرق شمالي سوريا، إلا أنها لا زالت، أي تركيا، تحاول تحاول الحفاظ على مستوى جيد من العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة، أملاُ في الارتكاز عليها كأداة ضغط توازن تحركها مع روسيا والدول الأوروبية، كونها لا تُجيد، أي تركيا، “العون الذاتي” التام لتحركاتها في الساحة الدولية.
جلال سلمي – ترك برس