يدعو مركز أبحاث الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، إلى استغلال التدخل الروسي في سورية من أجل بناء منظومة علاقات استراتيجية بين موسكو وتل أبيب، في الوقت الذي تبين فيه أن بعض دوافع روسيا لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع إسرائيل يعود بشكل خاص إلى إعجاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتجربة الصهيونية.
وتذهب دراسة وضعها رئيس المركز، الجنرال احتياط عاموس يادلين، إلى ضرورة التحرك إسرائيلياً ووضع سياسات وأسس واضحة للانتقال من مرحلة التفاهمات التكتيكية بين إسرائيل وروسيا إلى تعاون استراتيجي لضمان تحقيق خارطة المصالح الإسرائيلية في كل من سورية ولبنان. وتستعرض الدراسة التي أدرجت ضمن التقرير الاستراتيجي الدوري للمركز جملة الاعتبارات والأهداف التي تقف وراء التدخل الروسي في سورية، وتداعياتها الإيجابية كما السلبية على الأمن الإسرائيلي.
ويوضِح يادلين في مستهل دراسته أن التدخل الروسي في سورية، الذي جاء “باعتباره استجابة لدعوة شرعية من النظام السوري الشرعي للتدخل في سورية” على حد تعبيره، يخدم جملة مصالح وأهداف أساسية لروسيا، على الصعيدين الإقليمي والدولي، وله تداعيات أيضاً في حلبة الشرق الأوسط كما في ميادين وحلبات أخرى تؤدي فيها روسيا دوراً نافذاً لخصها بعدة نقاط،
أولاً: تكريس مكانة روسيا ودورها كدولة عظمى على الساحة الدولية ككل”.
ثانياً: استغلال وتوظيف دورها في سورية كرافعة تساعد روسيا في مساواة الأزمة السورية بأزمات دولية أخرى لا سيما في أوكرانيا، وتحويل الدور الروسي في سورية إلى وسيلة للضغط على الدول الأوروبية والولايات المتحدة لرفع العقوبات المفروضة عليها،
ثالثاً: تحقيق أهداف داخلية تتعلق برغبة بوتين في إزاحة الأنظار عن المشاكل الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية في روسيا نفسها.
رابعاً: إنقاذ نظام تعتبره روسيا صديقاً لها، في ظل العلاقات التاريخية بين روسيا وسورية، وأخيراً إظهار روسيا كدولة عظمى وفية لأصدقائها وحلفائها، خلافاً لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي تبدو كمن تخلت عن أصدقائها عبر اتفاقها النووي مع إيران.
ويقرّ يادلين بأن المهمة الرئيسية في إنقاذ نظام الأسد وتغيير موازين القوى قد تم تحقيقها، ومع إشارته إلى تعزز محور العلاقات بين روسيا وإيران وحزب الله، كممثلين للمحور الشيعي الأصولي، فهو يلفت النظر في الوقت ذاته إلى أنه خلافاً لما كان يفترض أن ينجم عن هذا التحالف مع المحور الشيعي في تراجع العلاقات مع الدول العربية والإسلامية السنية، فإن روسيا تمكنت من الحفاظ على علاقات جيدة مع دول المحور السني، مثل السعودية، التي تربطها بها مصالح مشتركة في قطاع الطاقة، وتصدير السلاح.
وعلى الرغم من أن الدراسة تتناول مجمل أبعاد التدخل الروسي، إلا أن يادلين، يخصص جزءاً لا يُستهان به للحديث عن تداعيات هذا الدور في سورية ودلالاته على الأمن الإسرائيلي وكيفية الاستفادة من التنسيق الحالي بين روسيا وإسرائيل لتطويره مستقبلاً، لجهة استنفاد الطاقة الكامنة في العلاقة مع موسكو من أجل ضمان فرض حل في سورية يأخذ بعين الاعتبار مصالح إسرائيل، لا سيما في منطقة هضبة الجولان، ومنع تحول مناطق في سورية إلى نقاط انطلاق للعمل ضد إسرائيل في المستقبل.
ويعتبر يادلين في دراسته أن للتدخل الروسي جوانب إيجابية بشأن إسرائيل ولا سيما مساهمة هذا التدخل في استقرار الوضع في سورية لجهة تمكين تسوية مستقبلية فيها، حيث تفضل إسرائيل، التي تدير سياسة حذرة، أن تتم المحافظة على استقرار “وعنوان واضح” في داخل حدود سورية، وهو يرى أن بمقدور روسيا أن تؤدي دور الوسيط بين إسرائيل وبين المعسكر الشيعي إذا اقتضت الضرورة، بل أن تشكل عامل ضغط على هذا المعسكر إذا نجحت إسرائيل في أن توضح للروس المزايا الكامنة في كبح هذا المعسكر.
من جهة ثانية، يرى يادلين بعداً إيجابياً آخر استفادت منه إسرائيل كثمرة للتنسيق المشترك بينها وبين روسيا، ويتمثل في عرض إسرائيل وتصويرها كطرف موثوق ومستقر في المنطقة. كما يعتبر أن التفاهمات التكتيكية مع روسيا يمكنها أن تشكل أساساً ممتازاً لبناء منظومة علاقات على المستوى الاستراتيجي بين الدولتين.
في المقابل، فإن يادلين لم يغفل الإشارة إلى الجوانب السلبية الأثر على إسرائيل الناجمة عن التدخل الروسي في سورية. فقد عزز هذا التدخل من قوة المحور الشيعي الراديكالي وقربه من الحدود الإسرائيلية، وأعاد لهذا المحور مكانته باعتباره القوة المهيمنة في سورية، ورفده بالسلاح المتطور والنوعي، وتوفير معلومات استخباراتية نوعية عن إسرائيل، وحسن مستوى القتال عند حزب الله. وهذه الأمور ستعرّض برأيه أمن إسرائيل للخطر في المستقبل. ويصف يادلين الوجود الإيراني ووجود حزب الله في هضبة الجولان باعتباره تطوراً استراتيجياً سلبياً.
وبعد أن عدد جميع الأبعاد السلبية الأخرى مثل نقل خبرات قتالية وتجارب ميدانية، وتعليم عقدية عسكرية متطورة لجهات أخرى في سورية غير الجيش السوري، مثل حزب الله الذي تعلم كيفية السيطرة على قوات كبيرة وإدارة عمليات قتالية بأعداد كبيرة من القوات خلافاً لقدراته التقليدية في إدارة حرب دفاعية ضد إسرائيل، يحدد يادلين جملة خطوات ينبغي لإسرائيل القيام بها لتحسين وضعها الاستراتيجي.
وفي مقدمة هذه الخطوات مواصلة بناء وتطوير العلاقات الاستراتيجية التي يتم نسجها حالياً مع روسيا، على أن تشمل هذه الخطوات الاعتراف بخريطة المصالح الإسرائيلية، والخطوط الحمراء الإسرائيلية المتعلقة بالسياق السوري واللبناني. كما يشير إلى أن بلورة سورية المستقبلية، التي ستؤدي فيها روسيا دوراً مركزياً ينبغي أن تضمن أخذ موقف إسرائيل في هضبة الجولان ومستقبلها بعين الاعتبار. يضاف إلى ذلك، منع تطور جبهة إضافية على يد حزب الله وإيران جنوبي سورية. ووفقاً ليدلين، يتعين على إسرائيل أن توضح بأنها ستواصل نشاطها العسكري في حال تضررت مصالحها، لا سيما في حالات نقل أسلحة كاسرة للتوازن لحزب الله، أو نشر قوات معادية لها في الجولان، أو أي نشاط آخر في مجال السلاح غير التقليدي.
كما يعتبر يادلين أنه يتعين على إسرائيل أن تعزز التفاهمات مع السعودية وتركيا بشأن مستقبل سورية، والتفاهمات بشأن تقوية العوامل السنية المعتدلة في سورية، وبموازاة ذلك توظيف العلاقات التي يتم نسجها مع روسيا كرافعة لكبح حزب الله، وأخيراً أن تسمع إسرائيل صوتها ضد قتل الشعب السوري على يد نظام الأسد، وأن توفر نشاطاً ومعلومات لإجراءات مستقبلية قد تتخذ في المحكمة الدولية لجرائم الحرب عند بحثها مسألة جرائم الحرب التي يقوم بها الأسد ومؤيدوه، مع دمج دول عربية وإسلامية براغماتية في هذا النشاط مثل تركيا والعربية السعودية ومصر والأردن.
في سياق متصل، تبين أن الحماسة الروسية للتعاون والتقارب مع إسرائيل لا ترجع فقط إلى التقاء المصالح بين تل أبيب وموسكو، بل تعود أيضاً إلى نظرة بوتين الإيجابية للمشروع الصهيوني وقوة إسرائيل الناعمة. وقد كشفت الصحافية والباحثة الإسرائيلية اليمينية، كارولين كليغ، أن كلمة ألقاها بوتين قبل أشهر عدة أمام “مجلس التاريخ الروسي” كشفت عن عمق إعجابه بالتجربة الصهيونية وتقديره لدولة إسرائيل. وفي مقال نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية، قبل نحو أسبوع، وحاولت التدليل فيه على عدم مواجهة إسرائيل عزلة دولية، قالت كليغ إن بوتين فاجأ الحضور في اجتماع “مجلس التاريخ الروسي” عندما اعتبر أن التجربة الصهيونية “ناجحة ويجب أن تكون ملهمة للروس وعليهم الاقتداء بها”.
وحسب كليغ، فقد قال بوتين إن “إسرائيل تمثل تجربة ناجحة، لأن الإسرائيليين وعوا قيمة وأهمية الإحاطة بتاريخهم ودروسه، سيما تجارب اليهود عشية وخلال الحرب العالمية الثانية”. وحثّ بوتين الروس على “استخلاص العبر من تجارب الحركة الصهيونية والإسرائيليين والتي حولت دولتهم إلى قصة نجاح، فعلينا الاهتمام بدراسة تاريخنا”. وخلصت كليغ للقول إن قوة إسرائيل الناعمة كان لها بالغ الأثر في التأثير على توجهات بوتين تجاه تل أبيب، معتبرة أن الاعتبارات الاستراتيجية والاقتصادية لم تكن الوحيدة التي أثرت على توجهات الزعيم الروسي. وأعادت كليغ للأذهان أن بوتين متحمس للتعاون مع إسرائيل على الرغم من أن حكومتها تصرّ على مواصلة الاستيطان والتهويد.
العربي الجديد