استعد مسؤولون من روسيا وإيران وتركيا في وقت سابق من هذا الشهر قبيل اجتماع ثلاثي الأطراف لوزراء الخارجية والدفاع في موسكو لمناقشة مستقبل سوريا بعد سقوط حلب. هل قاموا بدعوة نظرائهم الأميركيين؟ كلا، فمحادثات السياسة الواقعية لا تلائم هؤلاء المماطلين المتفائلين غير الواقعيين الذين قد يفسدون انتصارات روسيا وإيران أثناء القضاء على قوات المعارضة في حلب وإنقاذ دولة عاجزة من أجل بشار الأسد.
ليس من السهل الفرار من مذبحة سوريا. ففي عشية اجتماع الوزراء، أطلق شرطي من أنقرة النار على السفير الروسي في تركيا أندريه كارلوف وأرداه قتيلاً وصاح قائلاً: “لا تنسوا حلب”. وسلطت جرائم القتل التي شهدها سوق عيد الميلاد في برلين في ذات الليلة الضوء على مدى سهولة التعرض لعمليات إرهابية. اللافت أن روسيا التي قصفت قواتها الجوية المعارضة السنية في سوريا (بدلاً من الجهاديين من تنظيم داعش) عانت من عقابٍ أقل، بحسب ما ذكر تقرير لصحيفة Financial Times الأميركية.
نعم، فإلى جانب الفظائع التي اقترفها الجهاديون في باريس ونيس وبروكسل وإسطنبول، تم إسقاط طائرة روسية فوق شبه جزيرة سيناء بعد تدخل روسيا في سوريا. ويذكر مسؤولون أوروبيون أن الطائرة الروسية لم تكن الهدف الأصلي. ويمكن أن يتغير ذلك الآن. فقد أشار بوتين إلى أن مقتل كارلوف كان يستهدف تخريب “عملية السلام في سوريا”، وهي ملحوظة ساخرة للغاية تجعل الجميع يشكون في أن روسيا والغرب سيواجهان أحداثاً أخرى تذكرهما بحلب.
عام رائع في إرباك الشرق الأوسط
ومع استشراف عام 2017، يمكن لروسيا وإيران أن تعتبرا أنهما قضتا عاماً رائعاً في إرباك خصومهما في الشرق الأوسط، وأن الغرب وحلفاءه في المنطقة يواجهون فوضى عارمة. ويبدو أن الكرملين يفلت من جريمة تدخله عبر الإنترنت في الانتخابات الأميركية. فقد نجح بعض الشيء في تقسيم أوروبا وإقامة قطب ديمقراطي غير متحرر داخل الاتحاد الأوروبي. وأصبح للرئيس بوتين مؤيد جديد هو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
بعد الفوضى التي سادت البلدان التي تم الإطاحة بحكوماتها عام 2011 و2013، عادت مصر مرة أخرى إلى سابق عهدها كدولة شرطية متشددة. ففي ظل حكم السيسي، انفصلت سياسات الدولة عن عالم السياسة وسيطرت الأجهزة الأمنية عليها. وتراجع الاقتصاد المصري بعد الخلاف مع المملكة العربية السعودية، الممول الرئيسي لها. وفي غضون ذلك، تتجه تركيا حليف الناتو شرقاً، حيث يختبر أردوغان مؤسساتها في أعقاب عمليات التطهير التي تلت محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/تموز. وتمتلئ السجون في كلتا البلدين تماماً.
ويبدو أن إسرائيل تعتزم إنهاء كافة المحادثات بشأن الدولة الفلسطينية المستقلة وربما لن تتولى ضم المستوطنات اليهودية فحسب، بل معظم أجزاء الضفة الغربية المحتلة، مستغلةً تعيين ترامب لمساعدين مؤيدين لعمليات الاستيطان.
احتلال غير قانوني
ومع ذلك، تعد خطوة أوباما الأخيرة – الامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة بشأن إدانة المستوطنات، وتأكيد وزير الخارجية الأميركي جون كيري دعم الولايات المتحدة لحقوق الفلسطينيين وأمن إسرائيل، بمثابة تذكرة بأن معظم بلدان العالم تنظر إلى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية على أنه غير قانوني.
ويبدو أن إيران تحقق نجاحات كبيرة. فقد أدى النصر في حلب إلى توطيد المحور العربي الشيعي من بغداد إلى بيروت. ومع ذلك، يضع ترامب طهران في عين الاعتبار. فقد هدد بإلغاء الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع الولايات المتحدة والقوى العالمية الخمسة، ومن بينها روسيا. وسوف يمنح ذلك متشددي إيران بعض السلطات ويثير الخلاف داخل الإسلام ذاته الذي يشوّه الشرق الأوسط بين مؤيدي السنة والشيعة، حيث يتوافر لدى كل من الفريقين أدلة تدعم أسلوبهما في الجهاد.
وربما ستنهار الخلافة التي أعلن عنها تنظيم داعش في العراق وسوريا عام 2017. ومع ذلك، بعد أن خسر تنظيم داعش الموصل ثم الرقة، سيتحول إلى التمرد المحلي والإرهاب الدولي. كما سيؤدي ما حدث في حلب السنيين نحو التطرف الشديد أيضاً.
لا تزال الكثير من الأمور تسير في صالح كل من تنظيمي داعش والقاعدة: فالأسد لا يزال في منصبه وكذلك الأنظمة التي يدعمها الشيعة في بغداد وبيروت؛ وتتولى الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران تجنيد الرقباء؛ وهناك الفراغ المؤسسي والبلدان المتعفنة واستبدال حكامها بالقوات شبه العسكرية والقادة العسكريين. ثم ستأتي إدارة ترامب ذات الموهبة الرائعة والتحيزات الراسخة دون وجود توجه مؤكد – إنها بطاقة متعددة المهام حقاً.
المصدر:هيوفنغتون بوست عربي