هناك جهات وعلى رأسها إيران تحاول توتير الأجواء على الحدود الأردنية السورية في خطوة تهدف إلى إرباك عمان وخلط الأوراق في تلك المنطقة، خاصة مع تواتر أنباء غير مؤكدة بالغت وسائل إعلام إيرانية في تصويرها عن وجود حشود أميركية وبريطانية تستعد لعمل عسكري ما انطلاقا من الأردن.
انتقل التصعيد بين دمشق وطهران من جهة وعمّان من جهة أخرى إلى مستوى جديد، بإسقاط الجيش الأردني طائرة دون طيار على حدوده الشمالية، وسط شكوك كبيرة بأن تكون إيران خلف إرسالها.
وقال وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، إن إسقاط الطائرة دون طيار من قبل قوات سلاح الجو الأردني هو رسالة مفادها “أن كل من يقترب من حدودنا ويهددها سيكون مصيره القتل والتدمير”.
وكانت القوات المسلحة الأردنية قد أعلنت في وقت سابق أن سلاح الجو الملكي أسقط طائرة دون طيار اقتربت من المجال الجوي الأردني قرب حدود المملكة مع سوريا مساء الأربعاء.
وجاء في بيان أن طائرات أردنية مقاتلة من طراز إف 16 أسقطت الطائرة دون طيار “بسبب استمرارها في الاقتراب من الحدود” وأن سلاح الجو “جمع حطام الطائرة” لفحصه.
ولم يحدد البيان الجهة التي تتبع لها الطائرة، وأوضح المومني أنه يجري تحليل الحطام لمعرفة المزيد من التفاصيل عنها وعن مصدرها.
وأضاف “يجب أن يكون هناك تحليل فني واستخباراتي، وتحليل من هي الجهات التي يمكن أن تمتلك مثل هذه الطائرات”.
وختم المومني تصريحاته بالقول “نتمنى الأمن والاستقرار لسوريا، لكن سوف نتعامل بكل حزم أمام أي محاولة لمس أمن الحدود”.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها حتى اللحظة عن الطائرة الاستطلاعية فيما تنحصر التكهنات بين طهران ودمشق وإن كانت الأولى أقرب، وفق خبراء عسكريين بالنظر إلى أن النظام السوري لا يملك هكذا نوعية من الطائرات الحديثة، وفق معطيات أولية عنها.
منصور المعلا: الأردن لا يعفي أي طرف من المسؤولية وهو يرد على الجميع بذات الوقت
وتشهد العلاقة بين إيران والنظام السوري والأردن توترا غير مسبوق منذ بدء الصراع في سوريا في العام 2011، ومأتاه شكوك الجانبين السوري والإيراني والذي يصل إلى درجة “الارتعاب” من فرضية وجود خطة تدار من عمان لاجتياح المنطقة الجنوبية السورية والحدود العراقية السورية.
وهذا القلق يهيمن خاصة على إيران التي شنت وسائل إعلامها حملة شعواء في الفترة الأخيرة ضد عمان، تزعم فيها بوجود حشود أردنية بريطانية أميركية تستعد للدخول إلى الأراضي السورية للسيطرة على طول الحدود مع العراق والأردن وإسرائيل لقطع الطريق عليها.
وسبق وأن حذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من سعي إيراني لبناء حزام أمني يبدأ بالعراق ويمر بسوريا وصولا إلى لبنان، وجاء ذلك خلال زيارته إلى واشنطن في فبراير الماضي.
وقبلها وجه ذات التحذير في ديسمبر من العام الماضي بعد العملية الإرهابية التي ضربت مدينة الكرك الأثرية وأفضت إلى سقوط 6 من رجال الأمن الأردنيين إلى جانب سائحة أجنبية، وهذه التحذيرات تعمق من شكوك إيران وريبتها.
وترى إيران أن تمرينات الأسد المتأهب، التي تحتضنها حاليا عمان بالقرب من الحدود مع سوريا وتشارك فيها 20 دولة من ضمنها الولايات المتحدة وبريطانيا، قد تكون إيذانا بعمل عسكري ضخم ضدها وضد دمشق.
وتبني طهران هذا الاستنتاج على أساس نوعية الأسلحة المشاركة في هذه التمرينات الدورية منذ العام 2011، مثل القاذفتين الحربيتين من طراز “بي-بي1” التابعتين للقوات الجوية الأميركية (تستخدم للمرة الأولى في الأسد المتأهب) وصواريخ “التوماهوك” والدبابات الهجومية.
ويرجح محللون أن تكون إيران من تقف خلف إرسال الطائرة دون طيار في مسعى يهدف إلى إرباك عمان ومحاولة تغيير قواعد اللعبة في المنطقة.
وسبق إسقاط هذه الطائرة دون طيار بيومين قيام طائرات سورية بالإغارة على أهداف قريبة من الحدود الأردنية في سياق التصعيد الجاري.
وأكد مقاتلون ينتمون لـ”أسود الشرقية” و”لواء القريتين” إن طائرات حربية للحكومة السورية قصفت مواقع لهم الثلاثاء قرب الحدود الأردنية.
وأسود الشرقية ولواء القريتين هما فصيلان ينتميان للجيش السوري الحر دربهما الأردن لمواجهة التنظيمات الإرهابية التي تتربص بحدوده وعلى رأسها تنظيم داعش.
وقال مسؤول أردني إن الضربات الجوية هي الأولى قرب هذا الجزء من الحدود. ونفذت الضربات بعد ساعات من تحذير وزير الخارجية السوري الأردن من إرسال قوات إلى سوريا.
وكان وليد المعلم وزير الخارجية السوري قد أطل مؤخرا مهددا الأردن في حال أقدم على إرسال قواته دون موافقة دمشق.
ويرى محللون أن الأردن وإن كان يضع فرضية مسؤولية إيران أو دمشق على الطائرة، خاصة وأن السفير السوري السابق في الأردن المثير للجدل بهجت سليمان سبق وأكد أن دمشق وحلفاءها كثفا مراقبتهما للحدود مع الأردن، إلا أنه لا يستبعد فرضيات أخرى ولهذا لم يوجه الاتهام إلى جهة معينة ولكنه حرص على توجيه رسالته التحذيرية للجميع.
وقال المحلل السياسي الأردني منصور المعلا لـ”العرب” هناك احتمال وارد بأن تكون الطائرة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية كون الأخير أقدم على استخدامها في أكثر من منطقة وموقع وهذه الخطوة تأتي لخلط الأوراق. وأضاف أن الأردن من خلال إسقاطه للطائرة وردود أفعاله “لا يعفي أي طرف من المسؤولية ولا يتهم أحدا وهو يرد على الجميع في ذات الوقت”.
ويقول مراقبون إن الأردن وحتى الآن يتعامل مع الاستفزازات على حدوده برباطة جأش وتروّ، حيث أنه لا يريد أن يدخل في كباش لا يعرف مآلاته بيد أنه يحرص على إظهار أنه لن يقف مكتوف الأيدي إزاء أي تهديد لأراضيه، وسيقابل ذلك بالنار كما حصل مع الطائرة دون طيار.
المصدر: صحيفة العرب