لم تقتصر الأضرار التي خلفها النظام في سوريا على القتل والدمار، بل امتدت الأعمال التخريبية، لتشمل أعماق الأرض والتربة الزراعية والمياه، حيث تعتبر مشكلة نقص المياه العذبة والمياه الصالحة للري مشكلة أساسية خلفتها الحرب الدائرة في سوريا، فقد تعرضت الكثير من الأراضي الزراعية والأنهار ومياه الآبار الجوفية للتلوث، مما اضطر أغلب المزارعين لاستخدام مياه الصرف الصحي مباشرة لري الأشجار و المزروعات فكانت لها آثار سلبية كبيرة على البيئة والنباتات والحيوانات.
لم تبق التربة السورية كما كانت قبل الحرب، فقد تشربت التربة في الأراضي الكثير من المواد السامة التي خلفتها القذائف والقنابل العنقودية والفوسفورية وغيرها، إلا أن الفلاحين استمروا بزراعة تلك الأراضي فلا يزال الإنتاج الزراعي مستمرا في الأسواق المحلية من خضار وفاكهة.
وبحسب خبراء للبيئة ” إن نسبة الصرف الصحي ضمن مياه السقاية تقارب 50 بالمئة، إذ أن مياه الصرف الصحي لاتزال تستخدم في السقاية حتى اليوم الحالي خاصة في ظل غياب الرقابة الحكومية، وخروج الكثير من المعالجات عن الخدمة”.
تتشرب المزروعات المواد السامة من التربة والمياه مما يؤدي لارتفاع نسبتها في النباتات، مما يسبب الكثير من الأمراض كالكوليرا والملاريا والتيفوئيد إضافة إلى تشكل المستنقعات المتشكلة من السقاية بتلك المياه، والتي أصبحت مرتعا للبعوض والحشرات الناقلة للأمراض كاللاشمانيا.
وقد تم توثيق حالة وفاة لأحد الأطفال في حلب في تاريخ 27 من أكتوبر الماضي، الأمر الذي استدعى السعي للحد من انتشار هذا الوباء داخل سوريا، وذلك من خلال دخول بعض المنظمات الإغاثية للمساهمة في الحد من انتشار هذا الوباء.
يقول رئيس الجمعية الطبية الأمريكية السورية أحمد طارقجي، ” إن مرض الكوليرا الذي يصيب الأطفال في العادة يقتل إن لم يعالج بسرعة، و ينتشر من خلال المياه الملوثة”.
فالمزروعات المروية بمياه الصرف الصحي يتغير طعمها ولونها وشكلها وصلابتها، مما يقلل من كفاءتها التخزينية والتصديرية فتفسد بسرعة ويضعف القدرة التسويقية، و يتوجب على المواطن غسل الخضار والفاكهة بشكل جيد، خاصة الخضار الورقية التي تؤكل بدون طهي.
يقول رياض مزارع في الغوطة الشرقية بدمشق، ” إن الغوطة هي الأكثر ريا بمياه الصرف الصحي، بسبب خروج محطة عدرا لمعالجة المياه عن الخدمة، فلا خيار أمامنا سوى ذلك، على الرغم من تعرض المنطقة لسموم من الأسلحة الكيماوية وقد خرجت كثير من الأراضي عن الخدمة”.
كذلك يؤثر الري بمياه الأنهار الملوثة على الإنسان والحيوان والنبات خاصة بعد رمي النظام العديد من الجثث في الأنهار كنهر العاصي ونهر قويق كذلك تصريف مخلفات المعامل والمصانع في أنهار سوريا.
إن العناصر الثقيلة التي وجدت في المياه (الكاديوم، الرصاص، النيكل والزرنيخ) تحمل مخاطر لا يستهان بها للإنسان والحيوان وتؤثر على المحاصيل التي تروى بتلك المياه.
ويرى أيضا بعض خبراء البيئة الحرائق التي يتسبب بها قصف آبار وصهاريج النفط، قد انعكس سلبا على تركيب التربة وعلى البكتريا و الفطريات الموجودة فيها، حيث أن الحرائق تؤدي لانبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الذي بدوره يؤثر على البيئة ويلوثها ولا أحد يستطيع تحديد المدة الزمنية اللازمة لتتخلص هذه الأراضي من التلوث الحاصل.
لم تدع الحرب شيئا في سوريا إلا وتركت عليه بصمة الضرر والتلوث فلم تقتصر الأضرار على الدمار فوق الأرض، بل تعدت لأضرار بيئية التي تؤثر على التنوع الحيوي النباتي بالتالي على الإنسان وغذائه الذي يستمده من تلك المصادر.
لذلك يتوجب على المزارع السعي لتأمين البديل الملائم والاعتماد على المياه المعالجة بما يجعل نسبة الملوثات دون الحد المسموح.
فمنتجاته الزراعية ستصل للمواطن السوري الذي سيتعرض للأمراض نتيجة التلوث الحاصل للتربة والمياه، على الرغم من معاناته من الوضع الأمني والاقتصادي المتأزم.
المركز الصحفي السوري ـ سلوى عبد الرحمن