خشبة مأخوذة من شجرة جاء هيكلها مصادفة على شكل كاميرا، وتم توصيل ميكرفون بها صنع من عصا تم تثبيت كأس في رأسها، وكاميرا هواة، هذا كل ما امتلكته مجموعة من الشباب السوريين لإنشاء مصنع لأفلام قصيرة بعنوان “تلفزيون اللاجئين”.
أُغلقت البوابات ورُفعت الأسلاك الشائكة، كل شيء بات تحت السيطرة، وتم وقف سيل الأمواج البشرية، وبات الوصول إلى بلد الأحلام ضربا من المستحيل.
على الحدود اليونانية المقدونية، وبين غاباتها، انتشرت عشرات الخيام لأكثر من 16 ألف لاجئ سوري، فروا من جحيم المعارك والحرب التي يشنها النظام على الشعب منذ خمس سنوات، تجمهر هؤلاء الناس تحت رحمة الأمطار وسوء الظروف الجوية، واختاروا “مخيم أيدوميني” اسما لغربتهم.
سرعان ما تسللت رائحة معاناة هؤلاء الناس إلى أنف الإعلام ووكالات الأنباء العالمية، فاستثارت شهيتها لإنتاج عشرات التقارير والمواد الخبرية، تبدأ تلك المواد ولا تنتهي بأن جمعا من البشر يهددهم الموت في كل لحظة نتيجة نقص الأدوية والغذاء، وحاجتهم إلى خيام تؤويهم وأغطية تقيهم البرد.
معاناة هؤلاء العالقين على الحدود اليونانية المقدونية لم تنته، ولم يتغير شيء، ناهيك عن أن وسائل الإعلام العالمية بدأ الملل يتسلل إلى عدساتها وأقلام صحفييها؛ فباتت الزيارات الإعلامية للمخيم قليلة أو نادرة، ناهيك عن شكوى أهالي المخيم من أن الإعلام لم ينصفهم، ويتحدث باقتضاب وخجل عن معاناتهم.
منبر اللاجئين
بدأت الفكرة تكتمل، والحاجة إلى البحث عن البديل دفع مجموعة من الشبان إلى إنشاء منبر لهم يكون صوتا لحاجتهم وترجمان معاناتهم، ولكن كيف يتيسر للاجئ فقد وطنه وكل شيء أن يجد البديل لوكالات الأنباء ووسائل الإعلام ذات الإمكانات الهائلة بما تيسر له.
خشبة مأخوذة من شجرة جاء هيكلها مصادفة على شكل كاميرا، وتم توصيل ميكرفون بها صنع من عصا تم تثبيت كأس في رأسها، هذا كل ما امتلكته مجموعة من شبان المخيم، بالإضافة إلى كاميرا حقيقية خاصة بالهواة، مجموعة أقل ما يمكن وصفها بالبسيطة حوّلها هؤلاء إلى مصنع لأفلام قصيرة تحت عنوان “تلفزيون اللاجئين-Tv refugees”، وذلك من أجل نقل معاناة نظرائهم العالقين بين حدي بلدين.
يقول مصطفى الحمود، وهو لاجئ سوري من حلب يعمل مصورا في تلك الورشة الإعلامية، إن الفكرة جاءت بعد غياب الإعلام عن نقل معاناة اللاجئين وفقدانه المصداقية وعدم نقله الواقع الحقيقي.
مواهب وإبداعات
ويضيف الحمود، الذي درس إدارة الأعمال، في حديث للجزيرة نت أن المبادرة احتضنها أربعة شبان جمعهم هدف واحد، وهو إيصال صوت العالقين بانتظار أن تفتح لهم البوابات، فأسسوا صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، وبثوا عليها أفلاما قصيرة يقومون بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية.
وتصب موضوعات هذه الأفلام عادة في خانة واحدة، وهي تحسين صورة اللاجئين السوريين، ونقل معاناتهم، والأسباب التي اضطرتهم إلى الهروب من بلدهم.
وتم اختيار لغة تراوح بين السخرية والواقعية “لتلفزيون اللاجئين” لمعالجة أحداث سياسية ويومية، بحسب ما يقول الحمود، مضيفا أنهم دوما يسعون من خلال الأفلام البسيطة إلى تسليط الضوء على المواهب والقدرات الموجودة بين اللاجئين، والتي تعد خسارة واستنزافا كبيرا لسوريا.
ويقول الحمود إن “البداية كانت بسيطة جدا، لكن سرعان ما بدأت وسائل الإعلام تتلقف فيديوهاتنا وأفلامنا التي ننتجها بإمكاناتنا البسيطة، والقصص التي ننتجها أصبحت مادة لشبكات إعلامية كبيرة، لكن تبقى الصعوبات التي تواجهنا هي قلة الإمكانات والأدوات التي لدينا، فهي بسيطة وليست احترافية”.
المصدر : الجزيرة