في الواقع هذا التقرير ليس الأول الذي أكتبه عن مجازر النظام في حق المدنيين وخاصة مدينتي “إدلب” وربما ليس الأخير؛ لكن هذه المرة جاء بعد إعلان الأمم المتحدة تشكيل هيئة لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا، والذي سيتكون من عشرات الخبراء في مجالات التحقيقات والادعاء والأدلة الجنائية وسيعكف هؤلاء على إعداد ملفات بشأن الانتهاكات التي تصل حد الجرائم الدولية، وتحديد المسؤولين عنها تمهيداً لإحالتها إلى القضاء الدولي.
مازال رأس النظام بشار يتحدث عن تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا، وتأتي قراراته بمواصلة القصف واستهداف المدنيين الأبرياء منافية لذلك؛ حيث استهدفت طائراته بصواريخ شديدة الانفجار منذ أسابيع قليلة منازل الصامدين في مدينة إدلب لتقتل أكبر عدد منهم كونهم ممن غضب عليهم وخرجوا عن السيطرة، ومن بين العائلات التي أخرجت من تحت الأنقاض، استطعنا الوصول والحديث مع “أم محمد” (25 عاماً) لتكشف لنا عن حزنها العميق وخصوصاً بعد أن أخرجها رجال القبعات البيضاء مع ابنتيها من الأنقاض قائلة “كنت أحضر طعام الغداء لابنتي اللتين لم تبلغا عامهما الثالث.. بيدين مرتجفتين وأنا أسمع دوي صفارات الإنذار تعلو..بعد لحظات سمعت انفجارا قريبا.. بلسان الحائرة يا إلهي أين سقطت؟ على أماكن تجمع الناس! صوت سيارات الإسعاف لا يهدأ، والطائرات فوقنا تقصفنا! يا الله كم كان مرعباً حين سمعت صوت انفجار أحد تلك الصواريخ فوق البناء الذي نسكنه.. ذاك اليوم أشبه ما يكون بيوم القيامة”.
كان منزل أم محمد في الطابق الثالث، وكان النظام يدعي أنه يستهدف المسلحين، لكن الحقيقة التي نعيشها على عكس ذلك فهي تستهدف المباني السكنية وأماكن التجمعات.
تابعت أم محمد حديثها معنا بدموع أبت أن تفارق وجنتيها قائلةَ “أي وجع أعجز عن وصفه! يا له من يوم خيم السواد فيه على الحي بأكمله، تصاعد الغبار في الغرفة التي تحولت ركاماً.. لم أكن لأعرف كيف أتحرك أو ماذا أفعل! وخصوصاَ مع سماع صوت البكاء، انفتح المشهد أمامي وانتهت لحظات الذهول وأصبحت مع الحقيقة واقعاً مباشراً وجهاً لوجه، أين سينام أبنائي بعد اليوم؟ لن تنام صغيرتي بجانبي على السرير.. لم يعد هنا سوى مفتاح المنزل.. ولماذا أحتفظ به؟!”
مع ظهور الرجال الحقيقيين من لحم ودم يقومون بالمهمة الأبهظ ثمناً في سوريا وهي إنقاذ أولئك الذين يقصفهم الأسد، يهرعون إلى المكان، يضحون بحياتهم لإنقاذ الأطفال والنساء والرجال من تحت الأنقاض ينتصرون فعلياً على الأسد ذاته
وجدت أم محمد يداَ بيضاء تنشلها مع صغارها وتسرع لإخراجهم من المبنى المتضرر إلى المشفى بحالة إسعافية.
ويبقى السؤال المطروح على الساحة السورية الدامية.. هل سيخرج من جنيف حل يكون مرسى سياسي ينهي الحرب السورية ويخرج تقرير أممي يسلط الأضواء على سجل جرائم الحرب الذي ترافق مع فصول الصراع في سوريا؟، أم أنه على السوريين انتظار جنيف آخر؟!
المركز الصحفي السوري_ بيان الأحمد