أطلقت الهيئة العليا للمفاوضات، التي تمثل المعارضة الرئيسية في سوريا، جملة من المواقف التي من شأنها كسر الجمود الحاصل في جنيف خاصة إذا ما توفرت إرادة روسية أميركية حقيقية للبناء عليها.
وقال المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط إنهم مستعدون للمشاركة في هيئة حكم انتقالي مع أعضاء حاليين من حكومة الرئيس بشار الأسد ولكن ليس الأسد نفسه.
وأوضح المسلط في اليوم الثاني من جولة المحادثات التي تتوسط فيها الأمم المتحدة في جنيف، أن هناك العديد من الأشخاص على الجانب الآخر الذين يمكن التعامل معهم.
وأضاف أن الهيئة لن تعترض طالما لن يرسلوا “مجرمين” تورطوا في قتل السوريين.
وشدد على أن الهيئة العليا مستعدة لشغل أقل من نصف المقاعد في هيئة الحكم الانتقالي ما دامت ترضي السوريين وتتوصل إلى تسوية سياسية.
واستطرد “إذا مارست روسيا حليفة سوريا الرئيسية ضغوطا على حكومة دمشق وإذا كان وفد الحكومة جادا فعلا في المفاوضات فيمكن التوصل إلى اتفاق في الجولة الحالية”.
وتمسكت الهيئة العليا للمفاوضات دوما بعدم وجود مكان للرئيس الحالي في أي حكم انتقالي، لكن المسلط قال إن هناك مجالا للتفاوض بشأن كيفية رحيله.
وأكد أنه من أجل التوصل إلى حل يساعد فعلا على إنهاء معاناة سوريا يمكن للنظام أن يقترح ما يريد بالنسبة إلى الأسد وأن يكون ذلك محل نقاش. وأضاف أنه يمكن بحث كل شيء على طاولة الأمم المتحدة وأن الهيئة العليا للمفاوضات مستعدة لطرح هذه الأمور.
وأعرب المسلط عن استعدادهم لإنشاء جيش مكون من موالين للأسد والمعارضة لمحاربة الإرهاب، في تصريح لافت، يعكس نضجا سياسيا كبيرا، وفق المتابعين.
واعتبر المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض أن مناقشة الدستور أو تعديلاته في مفاوضات جنيف الحالية، قبل مناقشة مرحلة الانتقال السياسي، “أمر غير مجد”.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد صرح في وقت سابق أنه “من الضروري لكل الأطراف (السورية) الجلوس إلى طاولة المفاوضات والقبول بدستور جديد وعلى أساسه يتم إجراء الانتخابات.. هذا هو السبيل للخروج من الأزمة”.
ويرى مختصون في الشأن السوري أن المعارضة تظهر حرصا متزايدا للانفتاح على كل الخيارات السياسية لإيجاد تسوية في سوريا بطريقة غير إقصائية، ولم تعد لديها تحفظات ضد النظام كما في السابق باستثناء شخص الرئيس السوري بشار الأسد الذي ترى فيه رمزا للتفرد بالسلطة عائليا وطائفيا.
وتعتقد المعارضة أن رحيل الأسد سيمهد الطريق لتشكيل حكم ذي مصداقية غير طائفي يمثل كل المكونات السورية ويخفف من وطأة النفوذ الإيراني والتمدد الإرهابي. ولهذا أبدت تأييدها لتشكيل جيش وطني يجمع كل مقاتلي المعارضة والنظام في مؤسسة عسكرية واحدة لمحاربة الإرهاب، وللحفاظ على سيادة سوريا فوق كل أراضيها كدولة موحدة.
ويلاحظ المراقبون منذ فترة نضج الخطاب السياسي لدى المعارضة في مؤتمراتها الإعلامية من خلال انتقاء مفردات أكثر انفتاحا وأكثر قبولا دوليا وإقليميا بالإضافة إلى الشعب السوري، بينما لا يزال النظام السوري يعول على العودة إلى حكم سوريا بالكامل وبيد من حديد وبدعم إيران التي لا ترى بديلا عن بشار الأسد كضامن لنفوذها الاستراتيجي على ضفة البحر المتوسط.
ويعلل مراقبون إصرار المعارضة على رحيل الأسد بوجود قناعة لديهم بأن نظام الحكم في سوريا عبارة عن صورة هرم مقلوب، فمجرد زوال رأس الهرم فإن المنظومة بأكملها ستنهار، ولكن اللافت أن المعارضة مع إصرارها على رحيل الأسد إلا أنها متمسكة بالحفاظ على مؤسسات الدولة خشية تكرار تجارب مريرة مثل العراق وليبيا.
ويرى سياسيون سوريون أن على القوى الدولية وفي مقدمتهم روسيا والولايات المتحدة الأميركية اقتناص اللحظة والتفاعل مع المواقف المستجدة من قبل المعارضة والضغط على الرئيس الحالي للقبول بها.
واعتبر عبدالباسط سيدا رئيس المجلس الوطني سابقا في تصريحات لـ”العرب” أنه ورغم مواقف الهيئة الإيجابية، فإن مسألة هيئة الحكم الانتقالي خاصة، ستظل إشكالية مبهمة، بل وتعطيلية ما لم يكن هناك توجه جاد خاصة من جانب واشنطن وموسكو يشدد على أن لا مكان لبشار الأسد في المرحلة المقبلة.
وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد شدد في آخر تصريحاته أنه لا مجال لمشاركة الأسد في المرحلة الانتقالية، موضحا أن مستقبل سوريا سيكون ضمن جدول أعمال قمة لمجلس التعاون الخليجي ستعقد الأسبوع القادمة في العاصمة السعودية الرياض والتي يعتزم أن يحضرها.
ويقول محللون إن تصريحات المعارضة السورية الأخيرة من شأنها أن تنعش جولة جنيف الحالية، بانتظار ما في جعبة وفد النظام الذي سيحضر بداية من اليوم الجولة.
ولا يتأمل المحللون الكثير من الوفد الحكومي خاصة وأن النظام يظهر يوما بعد يوم أن مشاركته في جنيف لا تخرج عن إطار ربح الوقت (وأنه على ما يبدو غسل يديه كليا من هذا الملتقى). وهو ما يظهر في إصراره على إجراء الانتخابات التشريعية واستعداداته الحثيثة لمعركة حلب التي يعول عليها في قلب موازين القوى كليا على المسرح السوري.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الجيش السوري المدعوم بغطاء جوي روسي شن، الخميس، هجوما عنيفا على مناطق في شمال حلب وهو ما يهدد بقطع الطرق إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في المدينة.
وكانت أنباء تحدثت مؤخرا عن إرسال النظام لتعزيزات عسكرية كبيرة لحلب تؤشر على نيته شن عملية عسكرية كبيرة في المحافظة الاستراتيجية.
العرب