“قلبي معك ياولدي، ياليتني كنت معك بجسدي وروحي وأعيش تحت رحمة الحصار ولا أن أعيش بذل هنا وأقوم بدور المتفرجة ومابيدي حيلة”، تجلس زهرة كل يوم أمام شاشة التلفاز وتترقب بحذر وخوف مايجري في أحياء حلب الشرقية المحاصرة عبر القنوات التابعة للمعارضة، وكلها أمل أن تسمع مايرضي أمومتها ويشفي غليلها لتطمئن قلبها على ولدها القابع في تلك المناطق ينتظر مع زوجته أن يفك الحصار عنهم وينعم بلحظة ضم والدته والاطمئنان عليها.
ذاقت مدينة حلب خلال سنوات الحرب التي مرت بها الأمرين لدرجة أنها صنفت من أخطر المدن المأهولة بالسكان للعيش فيها، فطيران النظام الحربي والروسي لايكاد يفارق سماءها المحررة لا بالليل ولا بالنهار، فيعيش سكانها تحت وطأته رافضين فكرة الانسياق لشروط النظام الجائرة والتي تهدف لإفراغ تلك الأحياء من سكانها وإجبارهم على ترك بيوتهم والتوجه إلى ادلب في سياسة واضحة تهدف لتغيير ديمغرافي واستبدالهم بميليشيات تساند النظام، فهم أمام خيارين إما العيش تحت رحمة الحصار دون غذاء أو دواء أو القبول بتلك الشروط.
تعيش “زهرة” في إحدى أحياء النظام في حلب الغربية رغما عنها في بيتها الصغير، وقرر ابنها البالغ 20 عاما أن يلتحق بركب الثورة دون إرادتها منذ سنتين، وتزوج مؤخرا دون أن تتمكن من مشاركته فرحته، تحدثنا عن مشاعرها بعد إحكام النظام حصاره على حلب الشرقية:” أشعر بالخزي والألم كلما شاهدت حجم الإجرام الذي يمارسه النظام بشكل يومي على الأحياء المجاورة لنا، ومنظر الأطفال وهم يتألمون لدى خروجهم من تحت الأنقاض لاتفارق مخيلتي، ومايزيد وجعي ومعاناتي أنني أعيش في مناطقهم وأشاهدهم يوميا كم يشعرون بالفرح والسعادة بعد أن تلقي طائرات حقدهم حمولتها على تلك الأحياء الصامدة وتحصد أرواح الأبرياء”.
وليست حالة ابنها بأفضل منها، فتراه طيلة الوقت يدعو أن لا تصيب قذائف الثوار التي يطلقونها كل فترة على مناطق النظام أحدا من المدنيين، بل تصيب عناصرهم الذين يعيثون فسادا على أرضها ويستغلون أهلها ويتخذونهم دروعا بشرية لأنهم على يقين أن الثوار لايمكن أن يستهدفوا حيا يكتظ بالمدنيين الآمنين حتى وإن كانوا يعيشون في مناطق النظام.
وقام النظام بخرق الهدنة التي أقرتها روسيا في حلب، بهدف فتح ممرات آمنة لخروج من يرغب من تلك الأحياء، إلا أنهم فوجئوا بإصرار الأهالي على التمسك بها وعدم مغادرتها فباءت هدنتهم بالفشل، ليعاودوا السياسة الأولى بتكثيف القصف إلى أن يرضخوا، وردا على ذلك توحدت بعض الفصائل العسكرية وقررت خوض معركة في حلب لفك الحصار وتحريرها بالكامل.
“جاييك يا أمي لاتبكي”، بكلماته الثائرة يطمئن قلب أمه كل يوم، لكن هل ستشهد الأيام القادمة أحداثا لصالحهم تقلب الموازين ويكسو الأخضر أحياء حلب بالكامل، أم أنها مجرد وعود لن تطال حيز التنفيذ؟.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد