شهدت تركيا الحديثة عدة انقلابات عسكرية منذ نشوئها على يد كمال أتاتورك. ففي السنوات الخمسين الماضية شهدت البلاد انقلابات أطاحت بأربع حكومات ديمقراطية كما أعدم ثلاثة وزراء سابقون بينهم رئيس الوزراء عدنان مندريس.
الانقلابات العسكرية المباشرة التي مرّت بها الجمهورية التركية
الانقلاب على عدنان مندريس 1960
هو أول انقلاب عسكري في تركيا، قام به 38 ضابط عسكري برئاسة الجنرال “جمال كورسيل” خارجين عن قيادة رؤساء الأركان ضد الحكومة المنتخبة ديمقراطيا لحزب الديمقراطية في 27مايو من عام 1960.
وأحال الانقلابيون وقتها 235 جنرالا وأكثر من 3000 ضابط بينهم رئيس هيئة الأركان إلى التقاعد، وتم إعلان الأحكام العرفية، وحاصرت الدبابات مبنى لابرلمان، كما تم وقف نشاط الحزب الديمقراطي واعتقل ورئيس البلاد آنذاك “جلال بايار” وحكم عليه بالإعدام مدى الحياة، كما اعتقل رئيس الوزراء “عدنان مندريس” ووزيري الخارجية “فطين رشدي زورلو”، والمالية “حسن بلاتقان” وحكم عليهم بالإعدام في أواسط سبتمبر 1960.
أعلن الجنرال جمال كورسل السيطرة على السلطة.
الانقلاب على سليمان دميرل 1971
بعد إعدام مندريس شهدت تركيا ركوداً اقتصادياً واضطرابات أمنية وسياسية، وعرف انقلاب 12مارس 1971 “بانقلاب المذكرة”، وهي مذكرة عسكرية أرسلها الجيش لرئيس الوزراء سليمان دميرل ليتنازل عن منصبه، وعلى إثر قراءة بيان الجيش عبر الإذاعة فضّل ديميريل الاستقالة على المقاومة، وتحوّلت تركيا بعدها إلى نظام ما عرف بالثاني عشر من مارس.
قام الجيش في 19 مارس باختيار نهات إريم لقيادة الحكومة، وهو الأمر الذى قبل به عصمت إينونو رئيس حزب الشعب بينما رفضه بولنت أجاويد الأمين العام للحزب، فاندلعت موجة جديدة من العمليات المسلحة قادها ما يعرف بـ”جيش التحرير التركي”، وفي 27 أبريل، أُعلنت الأحكام العرفية وتولى فريت ميلين رئاسة الوزراء في أبريل 1972، وأحدث تغييرا بسيطا.
انقلاب كنعان إيفرين 1980
في 12 سبتمبر/أيلول عام 1980 حدث انقلاب عسكري، تزعمه الجنرال كنعان ايفرين مع مجموعة من الضباط، وهو من أشهر الانقلابات في تاريخ تركيا لأنه الأكثر دموية، وكان ثالث انقلاب تشهده تركيا خلال 20 عاما (بعد انقلاب 1960 وانقلاب1971).
أعلن ضباط الجيش فرض الأحكام العرفية وعدم اتباع الحكومة، نشأوا على فكرة حماية المبادئ الأساسية للجمهورية التركية كما وضعها اتاتورك، وكان المبدأ الرئيس فيها الفكر الكمالي واعتقادهم بأن سبب تدهور الامبراطورية العثمانية واندحارها عسكرياً كان لارتباطها بالأقطار العربية والإسلامية.
كان الانقلاب مدعوما من الولايات المتحدة الأمريكية.
خلال الثلاث سنوات الأولى من الحكم العسكري بعد الانقلاب تم إعدام 50 شخصا واعتقال 650.000 شخص ومحاكمة الآلاف، ووقوع 299 حالة وفاة بسبب التعذيب، و30 ألفا آخرون فضلوا المنفى.
قام الجيش التركي بنهج سياسة النزاع، وخلق جو ملائم لظهور العنف السياسي بين اليساريين واليمينيين.
تم حل البرلمان والأحزاب السياسية وتولى كنعان إيفيرين رئاسة مجلس الأمن القومي التركي وتولى مهمة تسيير شؤون البلاد إلى حين إجراء انتخابات رئاسية، والتي أسفرت عن انتخابه رئيسًا في نوفمبر 1982بنسبة “90% ” من الأصوات، ثم قام بعرض دستور جديد على استفتاء قام فيه بتحصين نفسه وجنرالات الانقلاب من المحاكمة في المادة 15، وعزز الدستور من دور الجيش في الحياة المدنية بذريعة حماية الجمهورية والعلمانية في المادتين 35و 85 من الدستور التركي.
وبعد مرور 30 عامًا على الانقلاب تمكن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان من تعديل عشرات المواد من ذلك الدستور، بما فيها حصانة العسكر.
صدر على “إيفرين” حكم بالسجن مدى الحياة عام 2014 مع قائد القوات الجوية الأسبق “تحسين شاهين كايا” لدورهما في انقلاب 1980، وذلك بتهمة “قلب النظام الدستوري”.
الانقلاب الأبيض على حكومة نجم الدين اربكان 1997
كان الانقلاب موجهاً ضد حكومة نجم الدين اربكان رئيس حزب الرفاه الذي فاز بالانتخابات التشريعية عام 1995، وعرف الحزب بأنه ذو توجه إسلامي.
مذكرة 1997 العسكرية أو عملية 28 فبراير وتسمى أيضا “ثورة ما بعد الحداثة”، تشير إلى القرارات الصادرة عن قيادة القوات المسلحة التركية في اجتماع مجلس الأمن القومي يوم 28 فبراير/شباط 1997 والتي بدأت إثرها عملية 28 فبراير/شباط التي أجبرت رئيس الوزراء الاسلامي نجم الدين أربكان على الاستقالة من حزب الرفاه وإنهاء حكومته.
كما أجبرت الحكومة على الخروج دون حل البرلمان أو تعليق الدستور، فقد وصف الحدث بأنه “انقلاب ما بعد الحداثة” من قبل الأميرال التركي سالم درفيسوجلو، وهي التسمية التي تم إقرارها.
ويزعم أن العملية بعد الانقلاب نظمتها باتي كاليسما جروبو (جماعة دراسة الغرب)، وهي جماعة سرية داخل الجيش.
لقد كانت عملية 28 فبراير التي تبعت إصدار المذكرة فترة للانتهاك الشديد للحريات الدينية في تركيا، على سبيل المثال إغلاق المؤسسات الدينية وحظر الحجاب في الجامعات.
تم تشكيل حزب العدالة والتنمية كرد فعل على الانقلاب، وفاز فوزًا ساحقًا في انتخابات عام 2002 بعد 5 سنوات من الانقلاب.
ويذكر أن الانقلاب حدث على يد مجموعة الجنرالات منهم: إسماعيل حقي قرضاي وشفيق بير وتيومان كومان وشتين دوغان ونجدت تيمور وإرول أوزكاسناك.
اعتقل شفيق بير و30 ضباطًا آخرون من الجيش لدورهم في هذا الانقلاب في أبريل 2012
الانقلابات العسكرية الفاشلة (التمرد العسكري) التي تعرضت لها الجمهورية التركية:
1957 – 1958: قام مجموعة من الضباط بمحاولة انقلاب على الحكومة، وفشلت عملية الانقلاب وتم القبض على جميع المتمردين وكان عددهم تسع اشخاص وتمت محاكمتهم.
22 شباط 1962: قام قائد مدرسة القوات الحربية طلعت عيدمير وزملائه بمحاولة انقلاب على من قام بانقلاب 27 أيار1960 وتم اعتقالهم جميعاً. سبب الانقلاب أن الانقابيون كانوا معترضين على الاعتقالات التعسفية التي كانت تحدث في انقلاب 27 أيار عام 1960.
20 أيار 1963: قام مجموعة من الضباط بالانقلاب على الانقلابين الذي انقلبوا بتاريخ 27 أيار 1960، وباءت محاولاتهم بالفشل.
20 أيار 1969: قام مجموعة من الضباط والعساكر بمحاولة انقلاب على الحكومة وباءت بالفشل.
9 أذار 1971: قام مجموعة من الضباط والعساكر بمحاولة انقلاب على رئيس الجمهورية بقيادة “جودت سنواي” وفشلت أيضاً.
الانقلاب العسكري التركي المزعوم 1993
كان انقلابًا يزعم أنه تم تنظيمه وتنفيذه من قبل عناصر بالجيش التركي من خلال وسائل سرية. على الرغم من أن أوائل التسعينيات كانت فترة من العنف الشديد في تركيا بسبب الصراع الكردي التركي، فقد شهد عام 1993 سلسلة من الوفيات المشبوهة – كوفاة الرئيس تورغوت أوزال، وكذلك وفاة عدد من الشخصيات العسكرية الرائدة التي دعمت جهوده للسلام، ومن الصحفيين القائمين بالتحقيق في الجيش التركي. ولا سيما في سياق محاكمات إرغينكون من 2008 فصاعدًا وما يتعلق بها من تحقيقات “الدولة العميقة” التركية والتحقيقات في الوفيات المشبوهة في هذه الفترة، كانت هناك مطالبات متكررة بعمل “انقلاب سري” يهدف إلى منع التوصل إلى تسوية سلمية (وحماية العلاقات السرية بين الجيش التركي، وأجهزة الاستخبارات بما فيها منظمة استخبارات جاندارما (JITEM) وعمليات مكافحة حرب العصابات، والقوات الكردية بما فيها حزب الله الكردي، والمافيا التركية).
كان فكري ساغلار، عضو سابق في اللجنة البرلمانية التي حققت في فضيحة سوسورلوك التي بدأت تسليط الضوء لأول مرة على الدولة العميقة التركية، واحدًا ممن قدّم مثل هذه المطالبات، واصفًا إياها بـ “انقلاب عسكري سري”. وصف سيمدين ساقيق، زعيم سابق لحزب العمال الكردستاني (PKK)، جماعة مرتبطة بمنظمة إرغينكون تسمى جماعة العمل الشرقية، بأنها مسؤولة عن عدة اغتيالات منها اغتيال القائد العام لقوات الدرك التركي، أشرف بتليس (17 فبراير)، والرئيس تورغوت أوزال (17 أبريل)، والجنرال باهتيار أيدين (22 أكتوبر) ، واللواء السابق سيم إرسيفر (4 نوفمبر). وبالإضافة إلى اغتيال الشخصيات الرئيسية التي تدعم عملية السلام، حدثت عدة مجازر يدعى أنها جزء من “إستراتيجية التوتر”. ومن بين هذه المجازر، كمين حزب العمال الكردستاني في 24 مايو 1993، ومجزرة سيواس، ومجزرة باسباغلار في بداية شهر يوليو.
فتاة شقراء وضوء القمر وبريق البحر والقفاز 2007: الانقلاب العسكري الذي كان من المفترض ان ينفذعام 2004، في عام 2007 تم القبض على مذكرات الضابط “اوزدن اورنك” وكان قد وجد فيها محاولة انقلاب على حكومة رجب طيب اردوغان ووجد فيها خطط لضربات عسكرية، وكان فيها أيضاً أسماء أربعة ضباط رفيعي المستوى متعاونين معه.
قائد الأركان حيلمي اوزكوك هو من أفشل هذه العملية الانقلابية وغلى الأن تتم محاكمتهم بتهمة الانقلاب على الحكومة الشرعية.
المطرقة 2009
خطة انقلاب عسكري مزعومة لجماعات علمانية في الجيش التركي قيل أن التخطيط له بدأ في 2003 م.
أول ما ظهرت التقارير عن خطة الانقلاب في جريدة طرف ذات التوجه الليبرالي التي قالت أنها اكتشفت وثائق فيها تفاصيل خطة لتفجير مسجدين في اسطنبول واتهام اليونان بإسقاط طائرة تركية فوق بحر إيجه بهدف خلق البلبلة وتبرير الانقلاب العسكري.
قال العسكريون أن هذه الخطة نوقشت لكنها كانت أحد السيناريوهات التدريبية للجيش ضمن سيمينار عسكري. وتم محاكمة جميع من قامو بمحاولة الانقلاب.
خلال السنتين 2010 و2011 تم اعتقال أكثر من 350 شخصاً بتهمة التآمر على الدولة، أغلب هؤلاء من كبار العسكريين العاملين والمتقاعدين. وحكم على ثلاثة جنرالات بالسجن المؤبد مع تخفيضه إلى 20 سنة، وعلى المتهمين الآخرين بفترات أقصر، وأخلي سبيل 34 من أصل 365 متهماً.
تموز 2016
قام بعض العناصر في الجيش التركي التابعين (للمعارض فتح الله غولن) بمحاولة انقلاب عسكري على النظام الحالي وجرى ذلك مساء 15- 16 تموز من العام الحالي.
استطاع الانقلابيون السيطرة على هيئة الأركان التركية ومقر التلفزيون التركي في انقرة، وبعض النقاط في مطار أتاتورك الدولي بإسطنبول وحاصروا البرلمان وقصفوه بالمروحيات وأعلن منع التجول والاحكام العرفية.
كما ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمكالمة هاتفية عبر السكايب دعا فيها أبناء الشعب التركي المؤمنين بالديمقراطية بالنزول إلى الميادين لمواجهة الانقلابين، وخرجت مظاهرات حاشدة في اغلب المدن التركية ضد الانقلاب.
الا ان محاولة الانقلابيون قد باءت بالفشل واعلنت الحكومة سيطرتها على الوضع داخل البلاد، وتم القاء القبض على عدد كبير من المنشقين داخل الجيش، واسفرت تلك الأحداث حتى الآن عن مقتل 161 شخصا، وإصابة 1440، واعتقال 2863 عسكريا.
الأيام