– استمرار حال المراوحة من دون تكليف: يستخدم فريق الرئيس ميشال عون الثغرة الدستورية التي لا تُلزم رئيس الجمهورية بمدة زمنية محددة للبدء بالاستشارات الملزمة، للسعي إلى توسيع خياراته من بين الأسماء المرشحة للتكليف ولإظهار إمساكه بمفاصل الدولة والحكم والحفاظ على «هيبة» التيار العوني ورئيسه في مواجهة الشارع ولمنع تفكك آليات السيطرة على الإدارة العامة. من فوائد تكتيك المراوحة، إلقاء مسؤولية الجمود السياسي، واستطراداً التدهور الاقتصادي، على عاتق خصوم التيار الوطني الحرّ. يضاف إلى ذلك خفض سقف التوقعات والحيلولة دون الظهور بمظهر من استجاب مرغماً لمطالب الشارع. فاستمرار المراوحة -وانعدام الاستقرار النفسي سمة أساسية فيها- سيسهم في محو المطالب الشعبية وتقليص مطالب القوى السياسية حيث سيصبح المطلب الرئيس، حسب أصحاب هذا النهج، تشكيل حكومة كيفما اتُّفق لاستعادة دورة الحياة «الطبيعية» من دون كثير إمعان في التفاصيل والأسماء.
– تكليف الحريري تشكيل حكومة مستقلين: يمثل هذا السيناريو «النقطة الحرجة» –إذا جاز التعبير– بالنسبة إلى الانتفاضة. ذاك أنه يصعب الحفاظ على تعاطف قسم من الطائفة السنية مع الانتفاضة في حال سقط هذا التكليف في الشارع فيما لم تتلقّ رئاستا الجمهورية ومجلس النواب بعد سوى ضربات رمزية. في المقابل، يطرح تكليف الحريري تشكيل حكومة مستقلين أسئلة أكثر مما يجيب عن تلك الموجودة: كيف ستتحدد الخطوط العريضة للسياسات الاقتصادية وما الخطة الإنقاذية للوضع برمته؟ كيف ستكون موازين القوى في حال أصر أصحاب المصارف على رفض المساهمة في تحمل أعباء العلاج؟ ما موقف لبنان من سياسة المحاور الإقليمية التي زج باسيل و«حزب الله» لبنان فيها؟ كيف ستدار العلاقة مع المؤسسات النقدية الدولية التي قد تقترح إجراءات ذات طبيعة سيادية؟ والأهم هل ستستطيع هذه الحكومة الخروج من المحاصصة والزبائنية وفكرة الدولة – الغنيمة التي تكرست على مدى عقود؟
وما زال تحالف عون – «حزب الله» متمسكاً برفض فكرة حكومة المستقلين بذريعة أنها ترمي إلى تطويق المقاومة ثم خنقها. وفيما قدم «حزب الله» أفكاراً غير واقعية لعلاج الأزمة الاقتصادية (الانفتاح على الصين وما شاكل…) التزم التيار العوني برطانته المعهودة عن تبني الانتفاضة لمطالبه (وليس العكس) وعن إصراره على مكافحة الفساد وما يدخل في هذا الباب من أشكال الإنشاء اللفظي.
– حكومة مستقلين من دون الحريري: تنسجم هذه الحكومة مع مطالب الثورة بإبعاد أي حكومة مقبلة عن المنظومة السياسية – الطائفية الفاسدة. بيد أن انسجامها هذا هو بالضبط ما يجعل تشكيلها المهمة الأصعب في ظل موازين القوى الحالية. فممارسة أحزاب السلطة لرقابتها عليها ستكون معقدة ما يترك مجالاً لتفلت المستقلين من إملاءات السياسيين التقليديين. وهو ما لن تتساهل به الجماعة الحاكمة. من جهة أخرى، ستكون مسألة التوازنات داخل حكومة مستقلين مسألة غامضة وخاضعة لعوامل ومعطيات جديدة. فمَن الذي سيشكّل الثلث المعطَل؟ وما الخطوط الفاصلة بين الوزراء؟ هل هي مدارسهم الاقتصادية ورؤاهم المختلفة للحلول أم انتماءاتهم الطائفية وانحيازاتهم السياسية المضمَرة؟
ولا بد من التساؤل أيضاً عن مستوى الدعم الدولي الذي ستحظى به حكومة المستقلين وقدرتها على إقناع المجتمع الدولي والبلدان العربية بجديتها وقدرتها على اجتراح تغيير حقيقي في المسار الاقتصادي والقضائي، والبدء بالإصلاحات السياسية. في المقابل، يتعين الانتباه إلى العراقيل التي قد تضعها قوى الممانعة والدول المساندة لها في وجه حكومة كهذه أخذاً في الاعتبار التداخل المتزايد بين ضرورات دول الممانعة في التهرب من العقوبات الغربية واستخدام لبنان كبوابة خلفية للتهريب والحصول على العملة الصعبة.
– حكومة تكنو – سياسية برئاسة الحريري: يقدم «حزب الله» وأنصاره الحكومة هذه على أنها المخرج المثالي بل الوحيد من الانسداد الراهن. التصور الذي يروج له هذا التحالف ينطوي على مزيج من ممثلي أحزاب السلطة (باستثناء القوات اللبنانية وربما من دون نواب الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه وليد جنبلاط). يستفيد التحالف من «الريع» الذي يحتوي عليه اسم الحريري ويضم بعض الأسماء التي برزت بحق أو بفعل التسلق، على الانتفاضة باعتبار أصحابها ممثلين للمجتمع المدني. وتُستأنف المسارات السابقة وبعودة التقاسم والزبائنية إلى سابق عهدهما مع محاولات لإقناع المجتمع الدولي بتقديم المساعدات على المستوى الخارجي وتحميل الطبقات التي تضررت من المرحلة السابقة أعباء الانهيار الاقتصادي. المناخان الدولي والعربي ليسا إلى جانب حكومة كهذه، والغالب على الظن أن المضيّ في مشروعها سينقلب مزيداً من العزلة الدولية والعربية والعقوبات.
محرك هذا التصور هو الرهان على «التعب» وحملات تخوين الانتفاضة وتحطيم صورتها ومعانيها وإلصاق بعض الانتهازيين بها كممثلين عنها وصانعين لها، والتصور أن الثورة لن تؤدي إلى مكان تنجح فيه في جني ثمار ملموسة وواقعية.
– حكومة اللون الواحد: وسيُبعَد الحريري عن رئاستها التي ستُسند إلى مؤيد لـ«محور المقاومة». ويسع الحزب والعونيين، تقنياً، الإتيان بحكومة يقتصر الأعضاء فيها على ممثلي تحالفهم. لكنها ستكون حكومة لإدارة الكارثة الاقتصادية التي لا يرغب أحد في تحمل مسؤوليتها. وقد تنعكس تفككاً إضافياً في البيئتين العونية وتلك الموالية للثنائية الشيعية. وحتى اليوم، ليس هناك ما يبرر اللجوء إلى الخيار هذا عملياً وتنحصر الإشارة إليه ضمن المناكفات والتهويل السياسي والإعلامي. ذاك أن تجربة أقل حدة مثّلتها حكومة نجيب ميقاتي في 2011 انتهت إلى فشل ذريع.
نقلا عن الشرق الاوسط