تتسارع التطورات في اليمن دراماتيكياً، وهذه المرة باتجاه البحر الأحمر، إثر إعلان الولايات المتحدة قصف أهداف في الأراضي اليمنية، للمرة الأولى، بعد تعرّض مدمّرة لها لاستهداف متكرر من مناطق يسيطر عليها الانقلابيون. الأمر الذي يمثل تطوراً خطيراً على صعيد تحولات الحرب الدائرة في اليمن، والجانب البحري، الذي تتداخل فيه المصالح الدولية أكثر من غيرها، مع إشراف اليمن على الممر التجاري الدولي في مضيق باب المندب.
في التطورات الأخيرة، أعلنت الولايات المتحدة أن المدمرة التابعة لها، “يو إس إس ماسون”، أطلقت وابلاً من أسلحتها الدفاعية، لإحباط هجوم بصاروخ انطلق من مناطق يسيطر عليها مسلحو جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وذلك في وقتٍ كانت تبحر فيه المدمّرة شمال باب المندب. وبعد ساعات قليلة من إعلان التصدي للصاروخ، أعلنت وزارة الدفاع (بنتاغون) أن “الجيش الأميركي نفّذ ثلاث ضربات على مواقع تضم أنظمة رادار في مناطق يمنية خاضعة لسيطرة الحوثيين، وذلك رداً على قصف متكرر للمدمّرة ماسون في البحر الأحمر”.
وفي الوقت الذي لم يفصح فيه الحوثيون رسمياً، عن أي معلومات عن المواقع المستهدفة للمرة الأولى من بوارج حربية أميركية، كشفت مصادر مقرّبة من الجماعة لـ”العربي الجديد”، أن “قصفاً استهدف موقعاً في مديرية الخوخة الساحلية بمحافظة الحديدة، غربي البلاد، المطلة على البحر الأحمر، من دون الإفادة عن حجم الخسائر، فيما تحدثت أنباء عن غارات وقعت في مواقع قريبة من باب المندب، التابع إدارياً لمحافظة تعز، وأخرى بمناطق متفرقة بمحافظة الحديدة”.
وفي مقابل الإعلان الأميركي، جاء الرد الحوثي مخالفاً، بعد نفي العميد شرف لقمان، المتحدث العسكري باسم القوات الموالية للحوثيين والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بـ”صورة قاطعة استهداف بوارج أميركية في المياه الإقليمية”. وأضاف أن “قواتهم تسيطر بصورة تامة على جميع المقاتلين وجميع الأسلحة الدفاعية على السواحل اليمنية، عدا تلك الواقعة تحت سيطرة التحالف السعودي الإماراتي، وكذلك تنظيم القاعدة”.
وأشار لقمان في تصريحات صحافية نقلتها وكالة الأنباء اليمنية الرسمية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلى أن “مسلحي الجماعة وقوات الجيش المتحالف معها، حريصون على سلامة الملاحة الدولية في المناطق التي يسيطرون عليها”، مبدياً “الاستعداد الكامل للتعاون مع أي جهة أممية أو دولية، للتحقيق في هذه الادعاءات ومعاقبة المتسببين أياً كانوا”. ودعا المتحدث إلى “سحب أي قوة بحرية متواجدة في المنطقة من مصلحتها إدخال الولايات المتحدة، أو غيرها، في خط المواجهة الأول”. ولفت إلى أن “قواتهم تقوم بواجبها الدفاعي ضد القطع البحرية التي تستهدف الشواطئ اليمنية”، محذّراً مما وصفه بـ”النوايا السيئة التي يخفيها تكرار هذه الادعاءات”، في إشارة إلى ما أعلنته واشنطن عن استهداف مدمرة تابعة لها للمرة الثانية خلال أربعة أيام.
وكان تكرار الاتهام الأميركي للحوثيين، وما تبعه عن إعلان من واشنطن تنفيذ عملية قصف عسكرية لمواقع في اليمن، للمرة الأولى، بمثابة التطور الأهم الذي تباينت حوله تفسيرات المحللين، ومنها أن “واشنطن قد تتدخل عسكرياً في المرحلة المقبلة، بعد أن جرى استدراجها من قبل الحوثيين وإيران في اليمن. وهو الاستدراج الذي جاء من أهم موقع استراتيجي على الإطلاق، أي باب المندب، الذي يُعدّ أمنه أولوية إقليمية دولية، بوصفه ممراً تجارياً عالمياً”.
بدوره، قال المحلل العسكري اليمني، علي الذهب، لـ”العربي الجديد”، إن “واقعة الاستهداف للمدمرة الأميركية قد تكون حقيقية، حتى ولو نفى الحوثيون ذلك، فالمقصود توجيه رسالة حوثية إيرانية مزدوجة للأميركيين، الذين يحرصون على أن يكون وجودهم العسكري في البحر الأحمر دائماً وآمناً من أي تهديد. لذلك يبدو أن النشاط الاستخباري للبحرية الأميركية قبالة الشواطئ اليمنية، قد تضاعف بعد استهداف السفينة الإماراتية سويفت، فكان لا بد من توجيه هذه الرسالة من دون اكتراث لردود الأفعال”.
ورأى الذهب أن “الواقعة قد تكون مفتعلة وتخفي وراءها علاقات متشابكة، تفضي نتائجها إلى خلط الأوراق على التحالف العربي بقيادة السعودية، وتوسيع مسارح الصراع، وإطالة أمد الحرب…”.
وكان لافتاً أن الإعلان الأميركي واجه في المرتين نفياً حوثياً قاطعاً، وهو الأمر الذي حمل تفسيرات متعددة، ذهب بعضها إلى اعتبار أن هذا النفي مؤشر على مخاوف الحوثيين مما يترتب على التصعيد الأميركي، رداً على أي تهديد لسفنه المتواجدة بكثرة في المياه الدولية القريبة من اليمن. في المقابل، ذهب آخرون إلى حدّ القول إن النفي قد يكون حقيقياً ويعكس توجهاً من الولايات المتحدة، تسعى من خلاله إلى الدخول على خط الصراع الدائر في اليمن، والجانب البحري منه بالذات، بشكل مباشر، الأمر الذي من شأنه تحقيق المصالح الأميركية بالسيادة في البحر الأحمر وباب المندب.
إلى ذلك، ربط محللون التصعيد بالتوجه الأميركي المعلن بالضغط على مختلف الأطراف للتوصل إلى اتفاق سلام، وتحديداً على التحالف بقيادة السعودية. وهو ما ظهر من خلال تصريحات متفرقة في الفترة الماضية، بدءاً بمبادرة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، المعلنة في أغسطس/ آب الماضي، وصولاً إلى التصريحات الأميركية التي تلت قصف مجلس عزاء في صنعاء، يوم السبت، لناحية شروع الولايات المتحدة بمراجعة دعمها للتحالف. وهو ما يبعث تساؤلات عما إذا كان الدخول الأميركي على خط الصراع بشكل مباشر، يمثل بصورة أو بأخرى تحركاً يثير قلق التحالف الذي تقوده السعودية، على الرغم من أن اتهام واشنطن موجه بشكل ضمني للحوثيين، من خلال القول إن الصواريخ انطلقت من مناطق خاضعة لسيطرتهم.
وكانت الولايات المتحدة القوة الدولية الأكثر حضوراً بتدخلاتها في اليمن، تحديداً منذ أواخر عام 2009، حين بدأت بتنفيذ هجمات بطائرات من دون طيار ضد أهداف مرتبطة أو مفترضة لتنظيم “القاعدة”، الذي تعتبره واشنطن على رأس أولوية التهديدات لمصالحها. مع العلم أنه كان من اللافت أن الاتهام الأميركي باستهداف السفن، توجه هذه المرة نحو الحوثيين، لا نحو تنظيم “القاعدة”.
وتأتي هذه التطورات بعد أقل من أسبوعين على استهداف الحوثيين للسفينة الإماراتية “سويفت” قرب باب المندب، الذي ووجه بردود فعل دولية منددة على نطاق واسع. كما حذّر الحوثيون في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، السفن من الاقتراب من السواحل اليمنية، من دون أخذ إذن مسبق من القوات الموالية لهم. وصدرت تصريحات عن قيادات في التحالف والحكومة اليمنية مفادها أن هناك مؤشرات بحصول الحوثيين على أسلحة إيرانية جديدة، ما أفضى إلى التصعيد الأخير بحراً.
العربي الجديد