تثير التطورات التي حصلت اليوم في جنوب لبنان بين جيش الاحتلال الإسرائيلي و”حزب الله” تساؤلات حول التصعيد المحتمل من قبل الجانب الإسرائيلي لا سيما بعد خسارته مقتل 4 من جنوده وإصابة آخرين، حسبما أكدته قناة المنار التابعة للحزب.
وتبنى “حزب الله” اللبناني ما قال إنها عملية استهداف “موكب عسكري إسرائيلي في منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة من قبل اسرائيل”. وأضاف في بيان له أن “مجموعة شهداء القنيطرة” هي التي نفذت العملية، في إشارة إلى أن عملية اليوم جاءت ردا على غارة إسرائيلية، قبل نحو أسبوع، استهدفت عددا من قيادات الحزب وضابطا إيرانياً رفيع المستوى في منطقة القنيطرة السورية الحدودية مع إسرائيل.
وفي تصريحات له هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي من مغبة تجدد إطلاق النار، وقال: “إذا تجدد إطلاق النار نعلم كيف نرد بقوة من أجل الدفاع عن بلداتنا ومواطنينا وسيادتنا”.
وحذر خبيران في شؤون الأمن والسياسية من أن أي رد إسرائيلي كبير على هجوم “حزب الله” ربما يشعل حربا إقليمية، ووصف أحدهما عملية الحزب بأنها “تغيير لقواعد الاشتباك”.
وقال الخبير المختص في مركز “كارينغي” للشرق الأوسط، ماريو أبو زيد خلال مقارنته لما حصل اليوم بأحداث 2006 عندما استهدف “حزب الله” موكباً عسكرياً إسرائيلياً: إن “المتغير الوحيد عن 2006 هو عدم أخذ رهائن (أسرى إسرائيليين)، لكن عدد الخسائر الإسرائيليين الكبير تحتمل ردا عميقا على عملية حزب الله”.
وأدى استهداف الحزب لجنود إسرائيليين في 2006 إلى اشتعال حرب أطلق عليها “حرب تموز” واستمرت 33 يوماً وانتهت بإصدار مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1701، الذي أوقف المواجهة بين الجيش الإسرائيلي والحزب، متضمنا زيادة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان لحفظ السلام ومراقبة الوضع على حدود البلدين، ووضع ضوابط وآليات لمنع “الأعمال العسكرية” في الجنوب.
ومضى أبو زيد قائلا لوكالة الأناضول: “بحسب المعلومات الخاصة فإن حزب الله قام منذ يومين بإفراغ مراكزه في الضاحية الجنوبية لبيروت (معقله الرئيس في لبنان)، وبالتالي فهذا يدل على أن الحزب يستعد ويتوقع ردا كبيرا”.
وتابع أنه: “لأول مرة في تاريخه يرد حزب الله على عملية نفذت ضده خارج لبنان، انطلاقا من الساحة اللبنانية، وهذا موضوع خطير؛ لأنه يغير قواعد اللعبة، وبالتأكيد سيكون الرد الاسرائيلي كبيراً”، حسب اعتقاده.
ورجح أبو زيد أن “أي رد كبير ربما يفتح حربا إقليمية، لكن ليس بالضرورة أن تنتظر إسرائيل ضوءاً أخضر أمريكيا للقيام بمثل هذا الرد”، وأضاف “إذا نظرنا إلى كل المعادلة الإقليمية الحاضرة، فإن مثل هذه الحرب هي لصالح إسرائيل؛ لأنها غير مرتاحة للمفاوضات النووية بين إيران (الداعم الرئيس لحزب الله) والولايات المتحدة الأمريكية، وهي لم توفر القيام بأي جهد لعرقلتها إقليميا أو داخل الكونغرس الأمريكي”.
ولم يرى أبو زيد وجود مصلحة لـ”حزب الله” في هذا الرد، خصوصاً في ظل تورط الحزب في القتال إلى جانب قوات النظام في سورية، وخسارة عدد كبير من قواته، ويضاف إلى ذلك تصاعد الاحتقان بين القاعدة الشعبية للحزب بسبب كثرة قتلاه من الشباب في سورية.
واعتبر أيضاً أن رد “حزب الله” على الغارة الإسرائيلية يأتي في سياق الرد الإيراني على الضربة الإسرائيلية، خصوصا أن ضابطاً إيرانياً كبيراً قتل فيها، وقال: “عملية حزب الله اليوم أتت بأوامر إيرانية مباشرة؛ لأنها ليست من مصلحته، وهو دخل العملية مجبراً”.
ومن جانبه رأى العميد العسكري المتقاعد، هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، أن “ما حصل هو رد من حزب الله على عملية القنيطرة، وليس الرد النهائي، وقال: “أؤكد أن هذا ليس الرد النهائي؛ لأن إسرائيل سترد بالتأكيد، وبالتالي فإن رد حزب الله في المقابل يعتمد على حجم الرد الإسرائيلي”.
ومضى قائلا إن رئيس حكومة تصريف الأعمال في إسرائيل بنيامين “نتنياهو يدرس الرد بدقة؛ لأنه لا يريد أن يرى صواريخ حزب الله تتساقط على المدن الإسرائيلية كما هدد أمين حزب الله السيد حسن نصرالله أكثر من مرة”.
ويتشارك جابر مع أبو زيد في الاعتقاد بأن أي رد إسرائيلي واسع قد يؤدي إلى حرب إقليمية، وفي هذا السياق لفت إلى أن قرار إسرائيل بتوسيع الرد سيكون للأمريكيين دور فيه.
وأضاف أنه لذلك “أرجح ان يكون الرد الاسرائيلي دقيقا”. ورأى أنه “لغاية الآن لم يخرج ردود اسرائيل عن المعتاد، حيث القصف الاسرائيلي يطال حاليا مناطق لبنانية ليس فيها سكان، وأعني منطقتي تلال كفرشوبا والغجر” الحدوديتين في جنوب لبنان.
واعتبر جابر في الوقت نفسه أن “حزب الله يملك الغطاء الداخلي لتنفيذ مثل هذه العملية؛ لأن العملية تمت في أراض هي موضوع نزاع بين لبنان واسرائيل وليس من اتفاق على ترسيم الحدود فيها”، مشيرا إلى أن الدولة اللبنانية تعتبر منطقة مزارع شبعا “أراض لبنانية محتلة، وحزب الله يحظى بغطاء؛ لأن كل البيانات الوزارية، بما بيان الحكومة يشدد على أن لبنان يحتفظ بحقه في تحرير أراضيه”. وختم بالقول: “منطقة مزارع شبعا خاصرة ضعيفة لإسرائيل، وطبيعة الأرض فيها مثالية لما يعرف بحرب العصابات”.
المصدر: الأناضول