على مدار تاريخها، شهدت الولايات المتحدة الأميركية انتخابات شابها تنافس ملتهب، وأعمال عنف وعدم ثقة في النتائج. ففي عام 1968 اغتيل روبرت كينيدي الذي كان أحد أبرز المرشحين. وعام 1912 أصيب المرشح تيدي روزفلت بطلق ناري في صدره حين كان يلقي خطابا في ولاية ويسكونسن، لكنه أصبح رئيسا لاحقا.
وحتى اليوم، يقر مراقبون أن المؤرخين ما زالوا يتجادلون حول من فاز واقعيا في انتخابات 1876 من المرشحين الجمهوري روثفورد هايس والديمقراطي صامويل تيلدن.
وقد نجحت الولايات المتحدة دائما في الحصول على اعتراف الخاسرين بانتخاباتها الرئاسية، حتى في خضم الحرب الأهلية. ومع ذلك، هناك خطر حقيقي من أن الأمور قد تسوء في نوفمبر/تشرين الثاني القادم موعد الانتخابات الرئاسية، بصورة لم تعهدها البلاد من قبل، حسب محللين.
ودفعت تلك المخاوف، التي غذاها تشكيك الرئيس دونالد ترامب المتكرر وعدم تعهده باحترام نتائج الانتخابات، لطرح مبادرة بحثية تحاكي الانتخابات القادمة. وجاءت المبادرة من الخبيرة الدستورية بجامعة جورج تاون (georgetown university) روزا بروكس، ومن نيلز جيلمان نائب رئيس معهد برغرين (berggruen institute).
وهدفت المبادرة إلى معرفة ما هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث للولايات المتحدة خلال الانتخابات الرئاسية.
وأطلق على المبادرة “مشروع نزاهة انتقال السلطة” (Transition Integrity Project) وخلصت لسيناريوهات أربعة لنتائج الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني القادم، هي:
1- فوز ضيق لمرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن.
2- فوز كبير لبايدن مع تقدم حاسم في كل من المجمع الانتخابي والتصويت الشعبي.
3- فوز لترامب بأصوات أغلبية المجمع الانتخابي، لكنه يخسر الأصوات الشعبية، كما حدث بانتخابات عام 2016.
4- حالة عدم يقين وعدم وضوح الفائز لفترة طويلة، كما رأينا في انتخابات عام 2000.
وقد شارك في التجربة جمهوريون بخلفيات مماثلة لمستشاري ترامب، ومنهم الرئيس السابق للجنة الوطنية للحزب الجمهوري مايكل ستيل، والمعلّق المحافظ بيل كريستول، ووزير خارجية ولاية كينتاكي السابق تري غرايسون.
ومن الجانب الديمقراطي، كان من بين المشاركين جون بوديستا رئيس حملة هيلاري كلينتون الرئاسية لعام 2016 والمستشار السابق لبيل كلينتون وباراك أوباما، ورئيسة اللجنة القومية للحزب الديمقراطي سابقا دانا برازيل، والحاكم السابق لولاية ميشيغان “جنيفر غرانهولم”.
ومن بين المشاركين كذلك خبراء إستراتيجيون وسياسيون سابقون وصحفيون وخبراء في استطلاعات الرأي وخبراء في التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، ومسؤولون سابقون في مجال الاستخبارات ووزارة العدل والجيش ووزارة الأمن الداخلي.
وفي السياق، تقول بروكس “لم نكن نرغب أنا وزملائي في مشروع النزاهة الانتقالية في القلق حول الطرق التي يمكن أن تفشل بها تجربة الديمقراطية الأميركية، أدركنا أن تحديد أهم المخاطر قد يكون أفضل طريقة لتجنب كارثة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. لذلك بنينا سلسلة من السيناريوهات”.
سيناريوهات أفضلها كارثي
تذكر السيناريوهات أنه “يمكن أن نستيقظ صباح يوم الانتخابات، ونقرأ قصصا كاذبة على الإنترنت تزعم أن بايدن قد أُدخل المستشفى بسبب أزمة قلبية حادة تهدد حياته، وتم تأجيل الانتخابات. ثم تفند كل الشبكات والصحف الكبري هذه الشائعات وتؤكد أن لا أساس لها من الصحة، ولكن العديد من مؤيدي بايدن، الذين ستربكهم الادعاءات الزائفة، سيبقون في منازلهم”.
ومع ذلك، وبحلول وقت متأخر من تلك الليلة “تؤكد معظم المحطات التلفزيونية الرئيسية فوز ضيق لبايدن بالانتخابات بحيث يحصل على تقدم غير كبير في أصوات المجمع الانتخابي، وعلى تقدم في التصويت الشعبي العام. وتوقع خبراء استطلاعات الرأي أن يزيد تقدمه مع استكمال عد وفرز أصوات بطاقات الاقتراع في الولايات الغربية التي صوت معظم ناخبيها بالبريد”.
ويستشرف السيناريو نفسه أن يرفض ترامب الاعتراف، زاعما على تويتر أن “الملايين من المهاجرين غير النظاميين والأشخاص الموتى صوتوا بأعداد كبيرة، وأن بطاقات الاقتراع غير المحسوبة كلها أصوات مزيفة”.
وتمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي برسائل من مؤيدي ترامب يزعمون فيها أن الانتخابات قد “سُرقت” في “انقلاب من الدولة العميقة”. ويكرر المعلقون المساندون لترامب على شبكة “فوكس” والقنوات اليمينية نفس الرسالة. وسرعان ما يفتح المدعي العام وليام بار تحقيقا في مزاعم لا أساس لها من الصحة عن تزوير هائل في التصويت عن طريق البريد.
الأسبوع التالي قد يكون فوضويا، حيث تبدأ احتجاجات ضخمة مؤيدة لبايدن في الشوارع، تطالب ترامب بالتنازل والاعتراف بالهزيمة. ويغرد ترامب داعيا “الوطنيين الحقيقيين عليهم إيقاف إرهابيي أنتيفا واليسار، لن يسمح هؤلاء ممن يحبون التعديل الثاني في الدستور بسرقة هذه الانتخابات”.
وتندلع بعض أعمال العنف بين المتظاهرين في العديد من المدن الأميركية، ويصاب عدة أشخاص ويقتل أخرون، وتتناقض التقارير حول هوية القتلى، ومن بدأ بالعنف.
في الوقت نفسه، يعلن ترامب أنه “ما لم تنته هذه المذبحة الآن” فإنه سيجنح لقانون “التمرد” ويتعهد بإرسال “الجيش الأميركي العظيم إلى الشوارع لتعليم هؤلاء الإرهابيين المناهضين للولايات المتحدة درساً”. وفي البنتاغون، تعقد هيئة الأركان المشتركة اجتماعا على عجل لمناقشة الأزمة.
وهذه فقط عينة من تفاصيل يعج بها التقرير النهائي للمشروع.
مستقبل على المحك
وباستثناء سيناريو “فوز بايدن الكبير” وصل كل سيناريو آخر إلى حافة الكارثة، مع حملات تضليل واسعة النطاق، وعنف في الشوارع، وأزمة دستورية غير مسبوقة في التاريخ الأميركي.
ولم يتضمن سيناريو عدم اليقين هوية الفائز، لكن التوصل لذلك قد يكون بحلول يوم التنصيب في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
وفي سيناريو “فوز بايدن الضيق” يرفض ترامب ترك منصبه، إلا أنه يرافق نهاية المطاف أفراد جهاز الخدمة السرية لخارج البيت الأبيض، ولكن فقط بعد العفو عن نفسه وعائلته وحرق وثائق نصحه بها مستشاروه مخافة أن تجرمه لاحقا.
وفي كل سيناريو، كان فريق ترامب (اللاعبون المكلفون بمحاكاة حملة ترامب وحلفائه المنتخبين والمعينين حسب التقرير) لا يرحمون ويتخذون مواقف هجومية، ويكافح فريق بايدن للخروج من وضع رد الفعل.
وفي أحد التدريبات، على سبيل المثال، تؤدي مزاعم فريق ترامب المتكررة بالاحتيال في صناديق الاقتراع بالبريد إلى تدمير قوات الحرس الوطني لصناديق تضم آلاف الأصوات في مناطق معروف عنها تأييد الحزب الديمقراطي.
وفي كل السيناريوهات يحث فريق بايدن على الهدوء والوحدة الوطنية وضرورة فرز الأصوات بصورة عادلة، في حين يصدر فريق ترامب دعوات للتجييش والترهيب ضد مسؤولي فرز الأصوات.
وفي كل سيناريو، يسعى الفريقان إلى حشد مؤيديهما للنزول إلى الشوارع، إذ دعا فريق بايدن مرارا وتكرارًا إلى احتجاجات سلمية، في حين شجع فريق ترامب على النزول للشارع، ثم استخدم الفوضى الناتجة لتبرير إرسال قوات الحرس الوطني إلى المدن الأميركية “لاستعادة النظام” مما أدى إلى المزيد من العنف.
تداعيات فوز ترامب
وفي سيناريو “فوز ترامب” يسعى الديمقراطيون اليائسون -الذين أذهلهم انتخاب آخر فاز به المرشح بأصوات أقل بعد ادعاءات موثوقة بالتدخل الأجنبي وقمع الناخبين- إلى طرح حل وسط للقبول بالنتيجة ويبدؤون بطرح فكرة تشجيع الحركات الانفصالية في كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن الواقعة على المحيط الهادي للانفصال ما لم يوافق زعماء الحزب الجمهوري على سلسلة من الإصلاحات، بما في ذلك تقسيم كاليفورنيا إلى 5 ولايات أصغر لضمان تمثيل أفضل في مجلس الشيوخ لسكانها، منح العاصمة واشنطن وإقليم بورتوريكو وضعية الولايات.
وفي وقت يستأنف الطرفان أمام المحاكم وكذلك أمام الرأي العام، يشير الخبراء القانونيون إلى أن النظام القضائي قد يتجنب إصدار قرارات بشأن المسائل المركزية، لأن المحاكم قد تعتبرها سياسية أساساً وليست قضائية في طبيعتها. ويشير لاعبون آخرون إلى أنه لا يوجد، على أي حال، أي ضمان بأن الطرف الخاسر سيقبل حكما من محكمة عليا مسيسة للغاية.
بعض الأنباء السارة
اقترح المشروع بعض الطرق التي قد تجنب الإضرار بالعملية السياسة الأمير كية، ومنها:
أولا وقبل كل شيء، يمكن لقادة الكونغرس وحكام الولايات ووزراء خارجيتها، والمدعين العامين للدولة من كلا الحزبين، الالتزام بحماية نزاهة العملية الانتخابية ضد التدخل الحزبي. ويمكن لمسؤولي الدولة ضمان حصول الناخبين على معلومات مفصلة ودقيقة وفي الوقت المناسب عن مكان التصويت ومتى وكيفية التصويت، والتأكد من أنهم يفهمون أنه لا يمكن لأحد إلغاء الانتخابات أو تأجيلها.
كما أشار المشروع إلى ضرورة إزالة العقبات الإدارية التي قد تمنع الناخبين من الوفاء بالمواعيد النهائية لاقتراع البريد دون أي خطأ من تلقاء نفسه، وتوظيف عدد كاف من العاملين في مجال الاقتراع لضمان أن جميع الناخبين يمكنهم التصويت ويمكن عد جميع بطاقات الاقتراع.
وكذلك التركيز على اتخاذ خطوات لحماية مسؤولي الانتخابات الذين يديرون فرز الأصوات من محاولات المضايقة والترهيب، ووضع معايير -مسبقة وعلى أساس الحزبين- للفصل في أي مطالبات متنافسة حول كيفية توزيع الأصوات الانتخابية في الولاية.
وفي الوقت نفسه، يمكن للقادة العسكريين وقادة إنفاذ القانون الاستعداد لاحتمال سعي الساسة إلى التلاعب بسلطاتهم الدستورية أو إساءة استخدامها. وقد يحاول أنصار الحزب، بمن فيهم ترامب، الدفع إلى نشر قوات الجيش الفدرالي وقوات الحرس الوطني، وربما الأفراد العسكريين العاملين في الخدمة الفعلية من أجل “استعادة النظام” بطريقة تعود بالنفع في المقام الأول على حزب واحد، أو إشراك القوات وإنفاذ القانون في الجهود الرامية إلى قطع عملية فرز الأصوات.
كما أن لوسائل الإعلام دورا هاما، حيث يمكن أن تساعد في توعية الجمهور حول إمكانية -بل احتمال- ألا يكون هناك فائز واضح ليلة الانتخابات لأن العد الدقيق قد يستغرق أسابيع، نظرا للعدد الكبير من بطاقات الاقتراع التي يتم إرسالها بالبريد في هذه الانتخابات غير المسبوقة.
نقلا عن الجزيرة