شعر الشعب التركي باقترابه خطوة كبيرة من الاتحاد الأوروبي مع إظهاره موقفًا مشرفًا في الدفاع عن الديمقراطية ومكتسباتها، إلا أن الاتحاد الأوروبي أظهر موقفًا مخيبًا للآمال التركية، حيث لم تتابع وسائل إعلامه وحكومته الحدث بالمستوى الذي يستحقه، بل على العكس من ذلك، روّجت وسائل الإعلام الأوروبية عمليات الاعتقال الطائلة للانقلابيين على أنها “غير إنسانية” و”انتهازية”.
تخييب الاتحاد الأوروبي آمال الشعب التركي وحكومته، أدى إلى مهاجمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للغرب واصفًا إياه “بازدواجية المعايير”، ومطالبًا له بالكف عن “توجيه النصائح المغلفة بغلاف الديمقراطية الزائفة إلى تركيا التي لم تعد بحاجة لمثل تلك النصائح.”
تصريحات أردوغان قُوبلت بتصريحات إعلامية ورسمية مهاجمة له تقول إن عملية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي مستمرة منذ زمن طويل، وهذا يدل على أن اعتقاد الأتراك بأنهم سيكسبون عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي كمكافأة لهم على حماية ديمقراطيتهم، ما هي إلا أضغاث أحلام بعيدة جدًا عن المنال في الوقت الحالي على الأقل.
أدلى شاهد من أهل البيت الأوروبي بشهادته عن الأسباب التي حالت دون تحوّل محاولة انقلاب 15 تموز/ يوليو إلى فرصة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بدلًا من أن تكون مفتاحًا جديدًا للهجوم الأوروبي عليها، بالقول إن الاتحاد الأوروبي لن يقبل بانضمام تركيا الكامل حتى لو أصبحت من أشهر الأمثلة النموذجية في العملية الديمقراطية.
الشاهد هو نائب رئيس وزراء ألمانيا “سيجمار جبرائيل” الذي صرح أيضًا بأن الاتحاد الأوروبي ليس في المستوى الذي يمكنه تحمل أعباء انضمام تركيا له، موضحًا أن أسباب ذلك هي عدد السكان العالي لتركيا، وحالة الاهتزاز التي أصابت الاتحاد الأوروبي نتيجة إعلان بريطانيا انفصالها عنه.
وبيّن جبرائيل، في تصريحاته الصحفية التي أدلى بها في 28 آب/ أغسطس 2016، أنه لا يرى أي مؤشر لإمكانية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب، متسائلًا كيف يستطيع الاتحاد الأوروبي الذي يفكر ليل نهار بمسائلة إعادة تنظيم كيانه بعد انفصال بريطانيا، ترك هذا الأمر وإعطاء فرصة لتركيا ذات العبء السكاني الكبير للانضمام إلى لاتحاد الأوروبي؟
وأفاد جبرائيل بأن تركيا يمكن أن تكون أحد شركاء الاتحاد الأوروبي الخارجيين على المستوى البعيد، أما دولة كاملة العضوية أمر محال أن يتحقق.
تنقل تصريحات جبرائيل النظر السلبية للاتحاد الأوروبي تجاه تركيا، والتي لم تتغيّر بعد محاولة الانقلاب، بل زادت سلبية وجعلت فرصة انضمام تركيا مستحيلة من جديد.
ومن جانبه، ألمح موقع بينة الإخباري التركي إلى أن الاتحاد الأوروبي كشف عن عدم رغبته بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 1987، حيث قدم رئيس وزراء تركيا آنذاك “تورغوت أوزال” طلب عضوية كاملًا لكنّه قوُبل بالمماطلة، مشيرًا إلى أن من يماطل تركيا لأكثر من 60 عامًا لا يمكن له منحها فرصة الانضمام الكامل له كهدية، عشية صد شعبها المِقدام محاولة الانقلاب الفاشلة.
وفي تقريره “الإعلام الألماني و15 يوليو”، ذهب الموقع إلى أن العوامل التي تقف وراء رفض الاتحاد الأوروبي إعطاء تركيا فرصة الانضمام التي تستحقها بفعل ديمقراطيتها القوية، هي:
ـ رفض بعض دوله للتقدم الاقتصادي التركي الذي قد يحرمهم الكثير من الامتيازات الاقتصادية المُحتكرة من قبلهم، لا سيما ألمانيا التي ترى في تركيا خطرًا استراتيجيًا جسيمًا على مستقبلها الاقتصادي.
ـ امتعاض معظم دول الاتحاد الأوروبي من حصول تركيا على قوة دبلوماسية وإرادة سياسية تحُدّان من تحكمهم بها كما في السابق.
ـ كون المواطنين الأتراك مُسلمين.
ـ خوف الاتحاد الأوروبي من عدد سكان تركيا الضخم.
وفي هذا الصدد، أكّد وزير الخارجية التركي “مولود تشاووش أوغلو” أن الاتحاد الأوروبي يتمسك بموقف خاطئ تجاه تركيا التي وقفت كالجبل في وجه إعصار محاولة الانقلاب الفاشلة، منوّهًا إلى أن تركيا لا تريد الدعم الكامل من الاتحاد الأوروبي، ولكنها تريد منه فقط أن يكون موضوعيًا في تناول ما تمر به تركيا، عملًا بمعاييره ومبادئ الديمقراطية التي يدعو إليها ليل نهار.
وأعرب الوزير، في تصريحات سابقة، عن امتعاض بلاده الشديد من الموقف السلبي للاتحاد الأوروبي تجاهه، وألمح إلى أن ذلك يكبح سعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وتشهد تركيا والاتحاد الأوروبي، في الفترة الحالية، حالة من التراشق الإعلامي والرسمي الشديد الذي ينم عن استحالة ميلاد فرصة حيوية لرفع تركيا من مستوى شراكتها مع الاتحاد الأوروبي وليس الانضمام الكامل له.
جلال سلمي – ترك برس