أعلنت تركيا أنها لن تسمح للأكراد في سوريا بتشكيل أي كيان على حدودها. الإنذار جاء بعد دخول قوات حماية الشعب الكردية تل أبيض والقرى المحيطة بها، وتلى ذلك ارتكاب داعش لمجزرة ضد الأكراد في كوباني. الاستخبارات التركية مؤكد أنها تعرف بدخول داعش إلى كوباني، والكثير من المحللين الأكراد يتهمون تركيا بالتواطؤ مع داعش، رغم أنها أعلنت داعش منظمةً إرهابية إذن هي رسالة تركية للقوات الكردية.
لا شك أن الأكراد في سوريا ظُلموا كثيراً، ويحق لهم العمل من أجل مصالحهم، ولكن ذلك دونه عقبات كبيرة، ومنها عُلو مستوى طموحاتهم وتحالفهم مع النظام والممارسات التي تقترب من النزعة الانفصالية التي يخشاها الترك والعرب، وليس من دولٍ عظمى تؤيّد مسعاهم. ونضيف أنه ليست الحكومة التركية ضدهم فقط، بل وحتى أكراد تركيا تخلوا عن فكرة الحكم الذاتي واختاروا الانضواء ضمن الدولة التركية والنضال من أجل تحسين حياة المدن والبلدات الكردية. فعبدالله أوجلان يقول بعد مراجعاته بخصوص العلاقة مع الدولة التركية “لا قضية كردية في تركيا” وبالتالي على أكراد سوريا أن ينضووا في مشروع الدولة السورية. القوى الكردية التركية لن تقف مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بقيادة صالح مسلم، وبالتالي على الأخير أن يتفهم الحدود الممكنة للطموح الكردي في سوريا.
صالح مسلم، يخاطر بعدم الانتباه للسياسة التركية، وتمدّد قواته في تل أبيض مؤخراً تعتبره تركيا محاولة لربط عفرين برأس العين بالحسكة بالقامشلي، وبالتالي حيازة أراضٍ متصلة بحدود واسعة معها. تركيا تتخوف من ذلك، فهذا إن حصل، سيعيد إنعاش النزعة الانفصالية للأكراد في تركيا وربما سيكون هناك تفكير بتغيير خرائط سوريا وإيران والعراق، بما يسمح بتشكيل دولة كردية وهذا لن يتحقق دون الاستيلاء على تل أبيض وما يحيط بها. تركيا تقرأ خطط صالح مسلم، ولا يمكنها أن تسمح بكيان ذاتي على حدودها قد يُسبب انتعاشا للنزعة الانفصالية لدى أكراد تركيا. العرب يشعرون أن سياسات الاتحاد الديمقراطي الكردي سياسات انفصالية وهذا من شأنه تعميق الخلاف مع هذا الحزب، فإذا كان الخلاف سابقا بين النظام والأكراد، فإنه يتحول الآن ليصبح بين العرب والأكراد.
تركيا رفضت المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش لأن عملياته لن تشمل قوات النظام السوري، ولكن لأن تركيا تعرف خطورة تمدّد الأكراد بقيادة حزب صالح والذي يعدّ جناحاً لحزب العمال الكردستاني التركي، ومن هنا جاءت تصريحات أردوغان النارية القائلة بأن أكثر من 12 ألف جندي على استعداد للدخول إلى عمق الأراضي السورية وإنهاء التواجد الكردي على الحدود معها.
الاتحاد الديمقراطي الكردي يستغل اللحظة الراهنة؛ فالنظام السوري ضعيف، ويتحالف معه ضد الفصائل المسلحة، يقاتل في الحسكة مع النظام ضد داعش، وقد ترك له الكثير من المناطق منذ أكثر من عامين، وربما دخوله إلى تل أبيض كان بتسهيل منه كي يتوضح للأكراد الحدود التي يستطيعون اللعب بها. وبالتالي شكل هذا الدخول امتحاناً للعلاقة مع النظام. ما لا ينتبه إليه صالح مسلم أن تحالفه مع القوات الدولية لن يستمر طويلاً، فهي ستنهي عملياتها حتما، وحينها ستكون قواته بمواجهة الترك من ناحية والعرب من ناحية أخرى، وكذلك لا ينتبه أن النظام الذي يتحالف معه سيتغير لا محالة، وأن أي نظام قادم لا بد من التوافق معه، وهو لن يقبل وجود سلاح كردي مستقل كما فعل النظام الحالي، إذن في ظل أي واقع جديد سيكون وضع الأكراد صعبا.
ما يغيب عن صالح مسلم أن الأكراد السوريين أنفسهم ليسوا معه، فالقوى السياسية بأغلبيتها ضده، وأي تغيير في النظام سيطرح سلاح الفصائل في الأراضي السورية على الطاولة وأن عليها أن تكون بحوزة جيش الدولة. وبالتالي كيف سيدافع عن سياساته الحالية والتي تقترب من تشكيل كيان مستقل عن الدولة وعبر السلاح. ليس لدى صالح مسلم إلا الانضواء في أهداف الثورة والابتعاد عن التوافق مع النظام.
دولة لا مركزية وتعددية كما يطرح صالح مسلم للعلاقة مع العرب والسوريين لا تلغي مركزية الدولة، سيما بخصوص الأمن والجيش والعلاقة مع العالم، ولكنه يفترض إعطاء حقوق قومية للأكراد تتمثل في التعليم والكتابة والصحافة باللغة الأم، وأن يستلموا الإدارة المحلية في مناطق الأغلبية الكردية، أما التفكير أبعد من ذلك فقد أوضحته تركيا عبر أردوغان، دون أن ننسى أن أكراد تركيا أصبحوا جزءاً من المشهد السياسي التركي.
للأكراد حق بتشكيل دولتهم ولكن تحقق ذلك لم يحن وقته رغم التفكك السائد في العراق وسوريا. فتركيا لن تسمح بذلك وكذلك إيران، وهي حليف لصالح مسلم كون الأخير ينسق مع النظام أو يستفيد من ضعفه.
صحيفة العربعمار ديوب