خلال زيارته لهانوي الأسبوع الماضي، وصف رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، فيتنام بأنها “دولة بالغة الجمال عهد بها “هو تشي منه إلى الأجيال الشابة”، وأشاد بمضيفيه لما فعلوه من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أصبح يلدرم أول رئيس وزراء تركي يزور فيتنام، وفي حين تضمنت كلماته شيئا من المجاملة الدبلوماسية، فقد كان يقصد الأعمال التجارية عندما قال: “إن تركيا تريد تحسين العلاقات مع فيتنام التي تعدها شريكا استراتيجيا وتجاريا مهما”.
وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه الحديث عن شراكة حقيقية جوهرية بين تركيا وفيتنام وتكثيف الحوار بين البلدين القادرين، وفق حديث يلدريم، “على صنع توليفة بين الشرق والغرب”، فإن هذا يشير إلى ارتفاع أفق التعاون الملموس بينهما في المستقبل القريب.
وقبل شهر واحد فقط من زيارة يلدرم، زار وزير تركي آخر هانوي برفقة فريق من البيروقراطيين والتكنوقراط لعقد اجتماعات لجنة اقتصادية حكومية دولية تضع خارطة الطريق لتطوير العلاقات الاقتصادية على المدى القصير والمتوسط. وبين الزيارتين وافقت رابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان” رسميا على اعتبار تركيا شريكا في الحوار القطاعي، وستكون الخطوة القادمة زيارة رئيس الوزراء الفيتنامى لتركيا.
من شواطئ البوسفور يمكن للمرء أن يسأل: ولكن لماذا فيتنام؟ ولماذا الآن؟
هناك سببان وراء اهتمام تركيا المتزايد بسرعة بفيتنام: أولا، يحتاج اقتصاد تركيا الذي يواجه عجزا حادا في الحساب الجاري، ويواجه مشاكل في أسواق التصدير القريبة بسبب الحروب الأهلية والإرهاب وعدم الاستقرار، إلى إعادة تنشيط عاجل، بإحراز اختراق جديد في الاقتصاد العالمي، ولا سيما في الاقتصاديات الأفضل أداء مثل اقتصاديات دول شرق آسيا.
وقد كتبت الخبيرة الاقتصادية، خديجة كاراهان، كبيرة المستشارين الاقتصاديين للرئيس، رجب طيب أردوغان، أخيرا أن فيتنام كانت تعد مثل “الصين قبل 20 عاما”، وهذا التصور يعكس تماما كيف ينظر مجتمع الأعمال التركي إلى فيتنام، حيث يريد تجنب تكرار الأخطاء التي ارتكبت في الصين ودخول السوق الفيتنامية قبل أن تصبح المنافسة شرسة.
وهذا هو السبب في أن الاتفاقيات الثلاثة التي وقعت خلال زيارة يلدريم تهدف إلى تسهيل بيئة الأعمال على المستوى الثنائي. وكان لاتفاق التعاون في المناطق الحرة ومناطق تجهيز الصادرات والمناطق الاقتصادية الخاصة أهمية خاصة للأتراك الذين أعطيت لهم الأولوية لدخول فيتنام كمستثمرين.
يشير تقرير صدر عن مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية في تركيا، قبل زيارة يلدرم، إلى تجربة فيتنام مع المناطق الصناعية التي أسس بعضها بدعم ياباني، ويعلل بذلك لإنشاء منطقة صناعية تركية في فيتنام تضم صناعة المنسوجات والملابس والإلكترونيات بوصفها مجالات ممكنة للاستثمار.
وفي الوقت نفسه، يلفت التقرير نفسه الانتباه إلى البنية التحتية المادية التي تحتاجها فيتنام من الآن وحتى عام 2020 والتي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار أمريكي، ويؤكد أن شركات البناء ذات الخبرة الدولية في تركيا بمفردها أو بشراكة مع شركات من الصين واليابان وجنوب كوريا، يمكنها أن تضطلع بمشاريع رئيسية مثل الطرق السريعة والموانئ والمطارات والسكك الحديدية.
ومن المتوقع أيضا أن يسهم الاتفاقان الآخران، أحدهما حول التعاون الجمركى والثانى حول تنسيق المعايير، فى خلق مناخ أعمال أكثر ملاءمة بين البلدين.
تحتاج تركيا إلى توسيع آفاقها الاقتصادية. وقد أصبحت فيتنام إحدى النجوم الصاعدة في الأعمال العالمية، وذلك بفضل جاذبية قوتها العاملة الماهرة منخفضة التكلفة وموقعها الجغرافي. ويريد الأتراك أن تكون لهم حصة في السوق الفيتنامي،لكن هذا لن يكون سهلا عمليا.
هناك طريقة جيدة لبدء شراكة تجارية هي تلبية أولويات البلدين. تريد فيتنام أن تعترف تركيا بأنها اقتصاد سوق، ومن ثم تقلل الإجراءات الحمائية ضد صادرات فيتنام الى الحد الادنى، بينما تتصدر أجندة تركيا بدء مفاوضات حول اتفاقية ثنائية للتجارة الحرة.
السبب الثاني وراء اهتمام تركيا بفيتنام يتعلق برابطة دول جنوب شرقي آسيا. فمنذ توقيع معاهدة الصداقة والتعاون بين الرابطة في عام 2010، تسعى تركيا إلى إيجاد سبل لتكون أكثر نشاطا في هذا التجمع. وفي حين أنه من المستحيل أن تصبح عضوا كامل العضوية لأسباب جغرافية، فإن تركيا شاركت مع الآسيان، بوصف الرابطة مفتاحا تمتلك مكانة قوية وكبيرة في آسيا، وهو ما تراه أنقرة شرطا لا غنى عنه لكي تصبح طرفا مؤثرا عالميا.
وبوصفها عضوا في مجموعة العشرين، وبعد أن أصبحت أخيرا شريكا رسميا في الحوار القطاعي مع رابطة دول جنوب شرقي آسيا، ترى تركيا أنها تستطيع البدء في بناء النفوذ من خلال هذه القنوات. وهذا يتطلب علاقات ثنائية أقوى مع كل عضو من دول الآسيان، وتعتد فيتنام مكانا جيدا للبدء في ذلك.
خلال زيارته لهانوي ذكر يلدريم أن تركيا تؤيد مسعى فيتنام للحصول على مقعد غير دائم فى مجلس الأمن الدولى فى الفترة 2020-2021 ، وطلب من فيتنام دعم جهود تركيا لتصبح عضوا فى المجلس التنفيذى لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة 2017-2021، مما يدل بوضوح على دافع تركيا وراء وجود فيتنام والآسيان كشركاء في القضايا العالمية.
ومن المؤكد أن الزيارات الوزارية لا تكفي وحدها لبناء علاقات متينة بين البلدان. ومع ذلك، يمكن بناء المصالح طويلة الأجل من خلال العلاقات التجارية، ولذلك فإن الخطط المذكورة خلال زيارة يلدريم تحتاج إلى أن تتحول إلى واقع ملموس.
وفي الوقت نفسه، فإن الاتفاقات الموقعة، إلى جانب الرحلات المباشرة التي تنظمها الخطوط الجوية التركية إلى كل من هانوي ومدينة هو شي منه، وافتتاح وزارة الخارجية التركية قريبا قنصلية في مدينة هو تشي منه بالإضافة إلى سفارتها في هانوي، كل ذلك سوف يساعد بالتأكيد في بناء المصالح بين البلدين.
يمكن لتركيا أن تغزو بقوة أسواق جنوب شرق آسيا من خلال فيتنام، ولكن الكلمات تحتاج إلى أن تكون مدعومة بالأفعال التي تأتي على أفضل وجه في شكل التجارة والاستثمار.
ترك برس