موسكو – اهتم المراقبون للشأن السوري بإعلان روسيا تنفيذ خطة لتقليص قواتها في سوريا لما يحمله الإجراء الروسي من رسائل تتجاوز الجوانب العسكرية التقنية.
واعتبر المراقبون أن الخطوة الروسية ستقود إلى فرض هدنة في وادي بردى بمحيط دمشق، وهو ما أعلن عنه أمس حزب الله اللبناني.
وقال الإعلام الحربي للحزب إنه تم التوصل إلى وقف إطلاق النار بين جميع الفصائل. لكن المعارضة لم تؤكد ذلك.
وقال قائد الجيش الروسي فاليري غيراسيموف إنه عملا بقرارات أعلنها الرئيس فلاديمير بوتين في ديسمبر الماضي “بدأت وزارة الدفاع الروسية خفض قواتنا العسكرية المنتشرة ضمن العمليات في سوريا”.
وتشمل الخطة سحب مجموعة القطع البحرية المنتشرة قبالة السواحل السورية.
وعلى رأس تلك القطع حاملة الطائرات “الأميرال كوزنيستوف” المنتشرة في شرق البحر المتوسط منذ الـ22 من ديسمبر الماضي، وهي الوحيدة المشاركة في العمليات الجوية في سوريا.
ورغم أن تخفيف التواجد العسكري الروسي سيكون رمزيا ولن يؤثر على توازن القوى العسكرية في سوريا، إلا أن المراقبين اعتبروا أن للتوقيت رسائل سياسية متعددة.
ورأى هؤلاء أن قرار تقليص التواجد العسكري الروسي في سوريا ينال من قوة النيران الداعمة للنظام السوري والميليشيات التابعة لإيران، وأن تلويح موسكو بإمكانية الذهاب أكثر في مسألة سحب القوات الروسية يحرم النظام والقوى الداعمة له من الغطاء الجوي الروسي الفعال الذي حقق مؤخرا إنجاز استعادة مدينة حلب.
وقال قائد القوات الروسية في سوريا أندريه كارتوبالوف الجمعة إنه تم تحقيق الأهداف التي حددت للمجموعة البحرية خلال مهمتها، موضحا أن القدرات الدفاعية لروسيا في سوريا كافية بفضل أنظمة صواريخ “أس-300” و“أس- 400” المنتشرة في البلاد.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة موسكو والباحث المتخصص في العلاقات الروسية العربية أندريه غيرمانوفيتش لـ”العرب” إن روسيا “حريصة على إيجاد حل سياسي ينقذ الدولة السورية ويفتح الباب للمفاوضات السورية بين المعارضة والحكومة، وإن إعلان روسيا سحب جزء من قواتها يصب في إطار دعمها للمسار السياسي وإعلان انتهاء الحرب في البلاد”.
وترى مصادر من الفصائل المعارضة أن غياب التغطية الجوية الروسية، إذا ما أرادت موسكو ذلك، سيقلب الأمور الميدانية رأسا على عقب، مذكرة بأن المعارضة سبق وأن حققت إنجازات عسكرية لافتة في غياب أو اعتكاف سلاح الجو الروسي عن تغطية القوات الداعمة للنظام.
ولفتت مصادر دبلوماسية غربية إلى أن توقيت الإعلان عن تقليص التواجد العسكري الروسي يأتي في أعقاب اتهامات مباشرة وجهها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو للقوات التابعة لدمشق وحزب الله بخرق اتفاق وقف إطلاق النار.
ويعتبر مانوفيتش في تصريحه لـ”العرب” أن روسيا تؤكد على ضرورة توقف التصعيد العسكري، وهذا ما يمكن فهمه من سحب القوات، وهي رسالة لجميع أطراف الصراع داخل سوريا والأطراف الإقليمية، سواء تركيا أو إيران، بأن موسكو تحث الجميع على التحرك قدما بدفع العمل السياسي بعد انتهاء آمال أي حل عسكري حاسم في سوريا”.
ويرى مراقبون سوريون أن تهديد النظام بمعركة مفتوحة في إدلب أمر غير واقعي نظرا لموقع المحافظة المفتوح على تركيا مما يسهل حصول المعارضة على الإمدادات بعكس معركة حلب.
يضاف إلى ذلك أن إدلب أرض مفتوحة على الساحل الذي يعتبر معقل النظام وبالتالي فتح هكذا معركة يبرر للمعارضة شن معركة على الساحل.
كما أن روسيا ليست في وارد التصعيد مما يفرغ تصريح الوزير السوري من مضمونه خصوصا إن خاطر النظام بمثل هكذا معركة ورفضت روسيا تقديم الغطاء الجوي.
ولم يستبعد المراقبون أن تكون مسألة تقليص التواجد العسكري الروسي مناورة هدفها الضغط على دمشق وطهران للالتزام بوقف إطلاق النار، لا سيما في منطقة وادي بردى، للعودة إلى روحية “إعلان موسكو” وإنجاح عقد مفاوضات أستانة المقررة في الـ23 من الشهر الجاري.
ورغم أن المراجع الرسمية الروسية تمتنع عن كشف الخلاف بين موسكو وطهران، إلا أن عدم تدخل روسيا في السجال الدائر بين تركيا وإيران قد يكشف أن أنقرة تتحدث أيضا بلسان شريكها الروسي.
غير أن دبلوماسيين أوروبيين لم يستبعدوا أن تكون مناورة بوتين في مسألة تقليص القوى الروسية هي من قبيل الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا لتسهيل مفاوضات أستانة، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الأميركي جون كيري والمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا.
العرب اللندنية