ما يقوم به النظام السوري، بغطاء ودعم روسي، ومشاركة قوات النظام الإيراني ومليشياته الطائفية، من قتلٍ لسكان حلب، وتدمير ما تبقى من مدينتهم، هو جريمة من نوع خاص، تستهدف قتل الحاضنة الاجتماعية للثورة، وإرادة الصمود والبقاء فيها، فضلاً عن تدمير ما تبقى من معالم المدينة وأوابدها.
وترتكب هذه الجريمة ضد الإنسانية أمام مرأى العالم وصمته، وخصوصاً ما تسمى مجموعة الدعم الدولية لسورية، والأنكى أن الأمم المتحدة التي وجدت كي تصون السلم والأمن العالميين، لم تصن حتى قراراتها التي أصدرها مجلس الأمن الدولي، كما لم يحترم الساسة الأميركيون والروس تعهداتهم بأن تتم مفاوضات جنيف 3، بالتوازي مع دخول ما عرفت بالهدنة، أو ما أراد مجرمو الحرب في موسكو تسميته “وقف الأعمال العدائية”، بدلاً من القصف، حيز التنفيذ، حيث لم يتم احترام الهدنة من النظام وحلفائه الروس والإيرانيين ومليشياتهم ومرتزقتهم، ولا السماح لعمال الإغاثة بإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، وارتكبوا مجازر عديدة، خلال أيام الهدنة، وبدا الأمر وكأن المفاوضات أريد لها، روسياً وأميركياً، أن تشكل مصدر دعم لنظام الأسد المجرم، وغطاء لاستمراره في قتل غالبية السوريين. لذلك، اعترض البيت الأبيض، لسان حال الإدارة الأميركية، على قرار وفد الهيئة العليا للتفاوض تأجيل مشاركته في مفاوضات في جنيف 3، إلى أن يتم الالتزام بقرار مجلس الأمن 2245، واحترام الهدنة.
وجرت ترجمة ذلك روسياً بالسعي إلى إعادته إلى عملية التفاوض عن طريق القوة العسكرية، التي راحت تعيث إجراماً في حلب.
وكانت مدينة حلب، تحديدًا، ومنذ دخول الروس في الحرب إلى جانب النظام ضد غالبية الشعب السوري، هدفاً رئيسياً للقتل والتدمير، حيث شهدت، مع مناطق ريفها، قبل نحو ثلاثة أشهر، تكثيفاً لقصف همجي من المقاتلات الروسية، عشية بدء اجتماعات جنيف 3، وكان القصد منه تسميم المحادثات، وتعطيل ممكنات أي حل سياسي للأزمة، على الرغم من محاولات الساسة الروس إظهار أنفسهم، وكأنهم معنيون بإيجاد حل سياسي في سورية، مع أنهم، في واقع الأمر، يؤكدون بأفعالهم أنهم قوة احتلال لها، وطرفاً فاعلاً في الحرب البشعة التي يخوضها النظام وحلفاؤه ضد غالبية السوريين، ويسعون إلى إنهاء المعارضة، بشقيها العسكري والسياسي، وتعطيل أي دور مستقبلي لها.
ومنذ أكثر من عشرة أيام، تستهدف مقاتلات النظام وروسيا المدارس والمستشفيات والأسواق والطواقم الطبية والأسواق والمحال التجارية، وحتى محطات تنقية المياه، كي يتم كسر إرادة الناس، وإجبارهم على ترك المدينة، ليتحولوا إلى نازحين أو لاجئين أو موتى، في محاولة لإخلائها من غالبية سكانها، وتنفيذاً لمشروع التغيير الديموغرافي الذي يسعى إليه النظام وملالي إيران في سورية، من خلال ارتكاب المجازر والجرائم، بغية إفراغ المدن والبلدات والمناطق من سكانها، المنتمين للأكثرية، وتوطين سواهم من أقلية بعينها.
ويبدو أن غايات الساسة الروس والملالي الإيرانيين من احتلال سورية، لن تكتمل، ولن تتحقق إلا باحتلال حلب، الذي سيفرض، إن حصل، تحدياتٍ كبيرة على قوة الثورة وناسها، خصوصاً وأن القوة على الأرض التي تتهيأ لاحتلال حلب، يشكلها الحرس الثوري الإيراني وأذرعه المليشياوية التابعة، من حزب الله اللبناني والمرتزقة العراقيين والأفغان وسواهم.
ويعتقد الروس والإيرانيون أن احتلال حلب سيفضي إلى حسم المعركة ضد إرادة غالبية السوريين لصالحهم، كي يتمكنوا من تقسيم سورية إلى ثلاث دويلات، أولها دولتهم “المفيدة”، وثانيها دويلة “الخلافة” التي فرضها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وثالتها دويلة الفيدرالية، التي فرضتها مليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي.
ولا شك في أن الموقف الأميركي المخاتل، والمتخاذل حيال الشعب السوري، شجع الروس والإيرانيين ومليشياتهم على الإمعان في حربهم ضد غالبية السوريين، وراحوا يوغلون في تعميق المأساة السورية. لذلك، جاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عن صعوبة التفريق بين جبهة النصرة (الإرهابية)، والفصائل الأخرى في حلب، بمثابة مصادقة أميركية على الجرائم التي يرتكبها النظام وحلفاؤه في حلب، ذلك أن هذه التصريحات وظفت ذريعة في زيادة همجية جرائم النظام، واتخذها وكأنها مبرر لها، مع أن وجود “النصرة” أو سواها لا يبرر قصف الأهداف المدنية بشكل عشوائي. وما يزيد من هول الجريمة أن استهداف مشافي حلب وطواقمها الطبية، ومحطات مياهها، يُشكل انتهاكاً فاضحاً للمواثيق والأعراف الدولية، خصوصاً وأنها ليست مقارّ عسكرية، ولا يوجد بالقرب منها أي موقع عسكري، ويشهد على ذلك أسماء الضحايا وصورهم، ونسبة النساء والأطفال بينهم.
ويبدو أن فظاعة الجرائم التي يرتكبها النظام وحلفاؤه في حلب، لم تؤثر على تغيير موقف الساسة الأميركيين، الرافض تزويد المدافعين عنها بما يمكّنهم من الدفاع عن أرواحهم، حيث لم تجد الإدارة الأميركية سوى إرسال الوزير، جون كيري، كي يلتقي نظيره، سرغي لافروف، ويطالبه بتجديد التزامه بالعملية السياسية، وكأن لافروف، صاحب الوجه المتخشب، حمامة سلام، ولا ينقصه سوى التفاخر بما تُحدثه القنابل الفراغية لمقاتلات بلاده من قتل وتدمير، وتعطش للدم البشري.
وعلى الرغم من ذلك كله، فإن إرادة الصامدين في حلب، والمدافعين عنها، كافية للذود عن مدينتهم، ولإفشال محاولات الغزاة الروس والإيرانيين في قهرها واحتلالها، ومهما ارتكبوا من فظائع، وحشدوا من قوات ومقاتلات، لن ينالوا من حلب وناسها، وسيفشلون مثلما فشلت قوات الأسد مرات عديدة من قبلهم.
العربي الجديد – عمر كوكش