بدأ العام الدراسي في شمال سوريا مع غياب للمظاهر التي ترافقه في العادة. الشوارع والأسواق ليست كما في السابق، فلا المحال ملئت بمستلزمات المدارس ولا الحارات ازدحمت بالأطفال الفرحين بكتبهم وحقائبهم وثيابهم الجديدة.
في 16 أيلول توافد آلاف الطلاب على مدارس المناطق المحررة، مع آمال كبيرة باستقرار العملية التربوية نظراً لما كان يشهده شمال سورية من هدوء نسبي بعد توقف الطيران عن القصف في الأشهر الماضية. ولكن هذه الآمال تبددت باستئناف الأعمال العسكرية يوم 19 أيلول، ليتوقف التعليم في كل المدارس في محافظة إدلب عدا مركزها، وفي ريف حماة وريف حلب الغربي. ويقدر عدد المدارس في مناطق المعارضة شمال غرب سورية بنحو 2100 مدرسة.
يقول مصطفى حاج علي، مدير العلاقات العامة في مديرية تربية إدلب (الحرة) لـ«عين المدينة»: «في عام 2011 كان عدد المدارس في إدلب 1400، وانخفض بعد ذلك إلى 900 تقريباً، ثم قامت بعض المنظمات بترميم 120 مدرسة بإشراف مديريتنا. لدينا في هذا العام 1104 مدارس جاهزة لاستقبال الطلاب، معظمها لمرحلة التعليم الأساسي. في العام الماضي كان عدد الطلاب 325 ألفاً، بينهم 17 ألفاً في المرحلة الثانوية. غالبية هذه المدارس تتبع أو بإشراف مديرية التربية الحرة التي تدفع رواتب 4100 معلم، ويأخذ الباقون رواتبهم إما من منظمات أو من مديريات تربية النظام. أما من ناحية الكتب فاعتمدت المناهج السابقة بعد تنقيحها وحذف بعض المواد التي تمجد البعث والسلطة القائمة».
يعد القصف أشد المصاعب التي تهدد العملية التعليمية، إذ يستهدف الأبنية المدرسية، ما يدفع الأهالي إلى منع أطفالهم من الذهاب إلى المدارس خوفاً عليهم. خلال غارات الطيران الروسي الأخيرة دمرت 8 مدارس في 5 أيام. وعدا القصف يأتي تعدد الجهات والأطراف المشرفة والمتدخلة في عملية التعليم كمشكلة أخرى تضاف إلى غيرها، مثل تراجع دور المنظمات الداعمة وقلة الموارد المالية المخصصة لهذا القطاع. فتكون الحصيلة مزيداً من الطلاب المتسربين من المدارس ومزيداً من الأمية في أوساط الفتية والأطفال.
يقول محمد العلي، وهو مدير مدرسة في ريف حماة الشمالي، لـ«عين المدينة»: «تراجع عدد الطلاب الملتحقين بالمدرسة بشكل كبير بسبب خوف الأهالي على أبنائهم من القصف وضعف الإمكانات المادية للتربية الحرة وعدم قدرتها على تغطية النفقات الكبيرة للتعليم، ما جعل الكثير من المدرسين يعملون متطوعين. لكن التطوع لا يعطي نتائج جيدة ولا يبني مؤسسات يمكن الاعتماد عليها».
أما أم محمود، وهي مدرسة لغة فرنسية وأم لثلاثة طلاب، فتؤكد انحدار المستوى التعليمي وتضيف سبباً آخر يفسره وهو «غياب المؤسسات الرقابية والضابطة لعملية التعليم والتي تتابع عمل المدرسين».
في الصيف الماضي، وبدعم من منظمات مهتمة بالتعليم، بادر معلمون ومعلمات في مدينة إدلب إلى افتتاح 5 نواد تعليمية التحق بها نحو 200 طالب وطالبة. تقول أماني العبد الله، وهي إحدى المعلمات اللاتي عملن في هذه النوادي: «حاولنا سد الثغرات وترميم نقاط الضعف لدى الطلاب المنقطعين عن المدارس خلال العام الدراسي الفائت بسبب القصف، وإتاحة الفرصة للأطفال لممارسة نشاطات كالموسيقى والرسم. ورعت منظمات أنشطة ترفيهية، إلى جانب برامج الدعم النفسي للطلاب».
تعمل منظمات كثيرة في حقل التعليم، بعضها في بناء المدارس وترميمها، والبعض الآخر في دفع الرواتب وتأمين المستلزمات المادية للمدارس والمعلمين والطلاب. ولكن أثر هذه المنظمات أو معظمها يبدو محدوداً لأنها لا تعمل بخطط طويلة الأجل، بل على شكل مشاريع قصيرة ومؤقتة يتلاشى أثرها بمجرد انتهاء المشروع.
تبقى الجهود المبذولة في بداية العام الدراسي ضعيفة وخجولة أمام الحاجات الكبيرة والمتفاقمة في هذا القطاع الهام والمصيري الذي يتوقف عليه استمرار باقي القطاعات. وإذا استمر نزيف الطلاب من مدارسهم وسط غياب الحلول سيكون لدينا جيل كامل مشبع بالجهل والأمية.
نقلا عن عين العرب