“عسكري ماهيتاب .. قول لي يا ماهي”، “عسكري بوسي ليه متضربيش العدو؟.. أصله كيوت خالص يا فندم”، “عسكري نورا إنتي مش لابسه البدلة العسكرية ليه؟.. مانا لبستها الحرب اللي فاتت يا فندم، مش معقولة العدو يشوفني بنفس الطقم كل حرب!”..
بهذه التعليقات الساخرة استقبلت فتيات مصريات قرار فرض “التجنيد الإجباري” للفتيات في “الخدمة الاجتماعية العامة”، الذي فهمن بالخطأ أنه يعني “التجنيد العسكري”، بينما هو “تجنيد مدني” في منشآت ومصالح حكومية مدنية لتقديم خدمات للجمهور.
ورغم أن قانون الخدمة العامة في مصر ليس جديداً، حيث كان مفعلاً من قبل، وهو موضوع لنقاش جاد حول خدمة الوطن وتحقيق المساواة بين الشباب الذين يذهبون للجيش وغيرهم من الشباب والفتيات، فإن الفهم الخاطئ للقرار أطلق تعليقات الفتيات الساخرة عبر هاشتاج “تجنيد البنات” الذي تصدَّر موقعي “تويتر”، و”فيس بوك”.
دا لو التجنيد عسكري هيبقا احلي تجنيد #تجنيد_البنات
#تجنيد_البنات يا جماعه دي خدمات عامه مش تجنيد عسكري بس انتو بتحبو الزيطه
#تجنيد_البنات
انباء عن وفاة خمس مجندات اثر خضة عنيفة لهجوم فأر على كمين في العريش
وانضم لحملة السخرية أيضاً بعض الشبان، مردِّدين عباراتٍ مثل “لو بيحبك هيستنى لما تخلصي الجيش”، ووضعوا صوراً تخيُّلية لشكل الجيش بعد تجنيد الفتيات.
ضجة كبيرة حول لا شيء
جاء قرار وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي بالتجنيد الإجباري للفتيات في الخدمة الاجتماعية، الذي نُشر في الجريدة الرسمية في الرابع من يناير الجاري، كأول قرار لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في العام الجديد 2017، الذي أطلق عليه “عام المرأة”، وهو تجنيد مدني إجباري، أو عمل بلا أجر لمدة عام. وسيطبق القرار ابتداء من الأول من شهر فبراير 2017 على خريجي عام 2016، من الفتيات وأيضا الرجال غير الخاضعين للخدمة العسكرية.
ويتضمن القرار 4 مواد، تشرح طبيعة القرار والمهام المطلوبة ممن سيخضعون لأداء الخدمة العامة، تم الاتفاق عليها بعد الاطلاع على القانون رقم 76 لسنة 1973 بشأن الخدمة العامة للشباب، وعلى قانون الخدمة العسكرية والوطنية الصادر بقانون رقم 127 لسنة 1980.
ما طبيعة الخدمة العامة الاجتماعية؟
هي تكليف خريجي الجامعات من الإناث والذكور المعافين من الخدمة العسكرية، بالعمل في جهات حكومية لمدة عام كامل. وتصدر قرارات التكليف مرتين في السنة، مرة مع الدور الأول، والأخرى مع الدور الثاني.
والمجالات التي يجري تعيين الفتيات فيها لأداء الخدمة لا علاقة لها بالجيش، مثل: النيابة العامة والتأمينات الاجتماعية ورعاية أطفال بلا مأوى ورعاية أيتام ومسنين، والعمل في بنك ناصر الاجتماعي، والعمل في مشروعات محو الأمية ومشروع تكافل وكرامة والتعداد السكاني ومشروع الأسر المنتجة ومشروعات التنمية- خدمات الطفولة- خدمات تعليمية- بالإضافة لمشروعات اجتماعية أخرى بحسب احتياجات المحافظات.
ووفقاً للمادة 8 من القانون، يتم منح كل من يؤدي الخدمة شهادة تفيد بأدائه للخدمة العامة، ويعمل بها كمسوغ للتعيين، وتضاف مدة الخدمة كأقدمية في حالة التعيين.
ووفقاً للمادة (9)، يجوز منح المكلف حوافز مادية أو معنوية عن أدائه أعمالاً مميزة أثناء مدة التكليف، ويصدر قرار من اللجنة المحلية للخدمة العامة بالمحافظة بشروط وأوضاع وإجراءات منح هذه الحوافز وتحديد الأعمال المتميزة.
لماذا عاد قانون الخدمة الاجتماعية؟
قانون الخدمة العامة، تم إصداره من قبل وتم إيقاف العمل به، ثم عاد تفعيله مجدداً.
فقد بدأ بفكرة تجنيد الفتيات في العمل المدني الاجتماعي عام 1973، بالقانون رقم 76، واستمر العمل به حتى فترة ما قبل ثورة يناير 2011.
وفي أكتوبر 2013 أعاد وزير الشؤون الاجتماعية أحمد البرعي العمل بالقانون مرة أخرى مع تعديلات طفيفة فيه، ما أثار انتقادات مجتمعية وصدمة للعديد من الفتيات، حيث وصفه الشباب بأنه “مضيعة للوقت”، وانتقدوا صرف مبلغ 4 جنيهات فقط يومياً كراتب حينئذ لكل مجندة اجتماعياً، معتبرين أنه لا يقضي على البطالة، ويؤدي لضياع سنة كاملة من عمر الشباب.
فقد نص القانون الذي قدمه الوزير “البرعي” حينئذ على “ألا يقل راتب الخدمة الاجتماعية عن الراتب الأساسي للجندي المجند بالقوات المسلحة”، الذي ارتفع حالياً إلى 252 جنيهاً شهرياً.
وفي يوليو الماضي، عاد الحديث عن قانون معدَّل نَاقَشَه البرلمان، ثم أصدره الرئيس السيسي مؤخراً ليصبح قانون “التجنيد الإجباري للخدمة الاجتماعية”.
“كان قانون الخدمة العامة مطبقاً منذ العام 1973، في مجالات محو الأمية وتنظيم الأسرة ورعاية الأيتام والخدمات الطبية، وله مزايا مثل: تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية بين الجنسين، وتأهيل الخريجين للعمل الحقيقي بعد تجربة العام التجنيدي الذي يضاف لهم كعام خبرة، كما أنها تقضي على البطالة”.
هكذا يشرح كمال شريف، مدير مكتب وزيرة التضامن الاجتماعي، أسباب العودة لهذه الخدمة، مضيفاً في حديثه لـ”هافينغتون بوست عربي”، أن الخدمة مفيدة للفتيات والشبان المعافين من التجنيد العسكري “لأنها تضعهم على أول سلم العمل، بدلاً من الانتظار في المنزل، ولو نجح أي منهم في الحصول على عمل فور تخرجه وقبل أن ينفذ التكليف، يُعفى من القرار ويُمنح شهادة معافاة بعد تقديم عقد العمل وما يثبت حصوله على فرصة عمل”.
تدريب على العمل أم امتصاص أرقام البطالة؟
ويقول المؤيدون لعودة العمل بالخدمة العامة إنها فرصة لتدريب الشباب على العمل والاستعداد لدخول سوق العمل الفعلي، حيث يحتسب هذا العام “خبرة” لهم حال توليهم وظائف لاحقاً، بينما يرى معارضون أنه إهدار لوقت الشباب وامتصاص لأرقام البطالة المرتفعة، بحسب الآراء التي رصدتها “هافينغتون بوست عربي”.
فالنائب محمد وهب الله، وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، يعتبر أن القانون جيد ومفيد للفتيات والشباب، لأنه سيضيف إليهم عاماً من الخبرة من خلال العمل في المصالح الحكومية، فضلاً عن تقديمهم خدمة للوطن بدلاً من البطالة والجلوس في المنزل.
وحول شكاوى الفتيات والشباب من تكبدهم وأسرهم مبالغ مالية إضافية في المواصلات يومياً بسبب هذا التجنيد المدني، يقول النائب إن القانون سمح لكل مصلحة حكومية بصرف مكافآت مالية، وطالب بتخصيص بدل انتقال على الأقل للمكلفين بالخدمة العامة لتغطية المصاريف، يكون مساوياً للأجر الوظيفي قبل التعيين.
“تفعيله في الفترة الحالية هدفه المساعدة في القضاء على الجهل والفقر بمصر”، فيما ترى أمينة منظمة المرأة المصرية، السفيرة ميرفت التلاوي، أن تفعيل القانون الخاص بالخدمة المدنية الذي كان معمولاً به منذ السبعينات، وهدفه المساعدة في القضاء على الفقر. ورغم موجة السخرية من تجنيد الفتيات عسكرياً، تطالب أمينة منظمة المرأة المصرية بالسماح بتطوع الفتيات لتأدية الخدمة العسكرية “خاصةً أن مصر في حالة حرب على الإرهاب، وبحاجة لكل الجهود لتحقيق الاستقرار والقضاء على أي تهديد للوطن”، بحسب قولها.
ولكن الدكتور جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، يرى أن عودة هذا النظام مرة أخرى ستؤدي إلى غضب الشباب، لأنه يخرجهم فعلياً من سوق العمل، ويعطلهم لمدة عام، وقد يضيّع عليهم فرص عمل يصعب الحصول عليها في الوقت الراهن في ظل ارتفاع معدلات البطالة.
ويرى عودة أن هدف القرار والغرض منه هو تحقيق ما يمكن تسميته بـ”الانضباط العام في المجتمع”.
وينتقد النائب مصطفى كمال الدين حسين، عضو تحالف “حق الشعب” بمجلس النواب، قرار تجنيد الفتيات في الخدمة العامة، ويعتبره “خطأ وغير صائب ويصفه بالمَنْظَرة (أو شو إعلامي)”.
ويشير إلى أن التجنيد للعمل “سيؤدي إلى عدم عمل هؤلاء الفتيات والشبان بنفس راضية.. الناس زهقانة فنزيد عليهم تجنيداً إجبارياً في الخدمة العامة!!”.
ويرى الدكتور “شوقي السيد”، الخبير القانوني، أن المقصود من عودة نظام الخدمة العامة مرة أخرى هو “إرجاء التعيينات بدلاً من زيادة أعداد البطالة المنتشرة بين الفتيات أكثر من الشباب”، معتبراً أن هذه الخدمة لن تقدم أيَّ جديد أو خبرة أو تأهيل يستفيد منها الفتيات والشباب بعد تخرجهم لسوق العمل.
معدلات البطالة
ووفقاً لآخر إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حول البطالة في نوفمبر الماضي، ارتفع معدل البطالة خلال الربع الثالث من عام 2016 ليبلغ 12.6% من إجمالي قوة العمل، مقارنة بـ12.5% في الربع الثاني من العام نفسه.
وبلغت نسبة المتعطلين من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة 81.3% من إجمالي المتعطلين، بينما بلغت نسبة المتعطلين من حملة الشهادات المتوسطة وفوق المتوسطة والجامعية وما فوقها 88.4% من إجمالي المتعطلين.