تمر بالمرء أيامٌ عصيبةٌ يكره فيها نفسه, الظروف, المجتمع, المحيط, الأهل, الأصدقاء, المؤسسة التي يعمل بها, وكل ما يخطر على باله, ثم تأتيه أيامٌ يكون فيها في قمة العطاء, يعطي كل ماعنده ولا يبخل حتى بالروح في سبيل تغيير هذا الواقع وتلك الظروف التي كرهها يوم أمس, وتسير بنا الأيام هكذا, يوم لنا ويوم علينا, ويوم نُساء ويوم نُسر.
الجميع تضربه تلك الأمواج وتأخذه يميناً وشمالاً, صعوداً و هبوطاً, حتى تحسم الأمر معه, فإما أن يغادر أفكاره ويتخلى عن ميدانه, فهذا تتركه الأمواج والهموم, وتلقي به في بحر أخر همومه بغير طعم, وأمواجه بغير قوة, وطرقه فيها من الحجارة التي تختلف عن صخور طريقه المتروك, وأما الأخر فلايزال يصارع مع الدرب, يشده الطريق الفرعي تارةً فيستعيد ويسترجع, فيثبت على دربه الرئيس, ويسلك الدرب بصعوبته وعقباته أحياناً أخرى, يتلذذ بسعادة صغار الإنجازات رغم عظم المصائب.
هاهو العام الرابع على الثورة السورية المباركة يجمع أشيائه مغادراً, يمر بنا بمصاعبه ونكباته وإنجازاته, طاوياً مسافة قطعناها, ملقياً علينا عبئاً جديداً نحمله نحو أخيه الخامس الذي لا نعرف إن كان سيختم أعمالنا, أو سنختمه مستقبلين غيره, لكن ما نعرفه وندركه أننا اخترنا هذا الدرب بملء إرادتنا, وبقوة عقلنا وجسدنا الكاملتين, ومضينا به من غير رجعة, متوكلين على رب القضاء والقدر.
سعادتنا نؤجلها إلى الفرج والنصر, وأحزاننا تتوزع على شخصين اثنين, الأول فارقنا فرِحاً إلى أخرته الطيبة بإذن الله, والثاني ضل الطريق الذي وضعنا يدنا بيده من أجله, سلك طريقاً فرعياً في ظل عظم الصخور في طريقنا الثوري هذا, وضعف حيلتنا, “تأدلج” ظاناً أن الفرج يأتي في تيار أو جماعة, أو سافر ظاناً أن البلد الذي خذله وقت الدم سيكون له أباً وأماً وقت السلم.
تزداد أحزاننا… حتى تمتلئ خزانات الأحزان على أخرها, وتزداد الصعوبات أمامنا حتى تغلق أدمغتنا وتعجز عن حلها, وترتفع الآهات حتى يصبح صوت الصراخ طبيعياً, وتنتفض القلوب خوفاً حتى يبلغ الدم الشوى, ننظر ونراقب هذا كله فلا نجد مخرجاً إلا السير والإكمال, فتمام الطريق رغم ضبابيته يبقى أرحم من الانتظار في المواقف.
يصرخ بنا منادٍ عند حافة طريق فرعي, أن “هلموا…لاطاقة لكم بهذا, لايكلف الله نفساً إلا وسعها”, ويصرخ أخرٌ عند حافة طريق أخر: “حرامٌ عليكم, خربتم البلاد وشردتم العباد”, ويصرخ ثالثٌ: “ألم تتعبوا؟”, ويصرخ رابعٌ: “ألم تملوا؟”, وخامسٌ وسادسٌ….ولا يقطع المنادين إلا صورة دماءٍ لحرةٍ حملناها في ذاكرتنا, و في صورة بكاء طفلٍ ودع أباه وأمه قهراً وألماً, ومن كلمةٍ لكهلٍ وضعناها حلقةً في أذاننا, فيأتي الرد لمن قال تعبنا: لم نتعب, ولمن قال مللنا: لم نمل, ولمن قال لاقدرة لنا: الله المدبر, ولو حسبنا الأمر بالقدرة والطاقة ما خرجنا من اليوم الأول, ولمن قال خربتم وشردتم نقول: تلك سنة الله, ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض.
“الشعب يريد اسقاط النظام” لايزال هدفنا الذي نسعى إليه, وبداية الدرب الذي سلكناه, وإن قوة الشعب وإرادته لا تعرف المستحيل, والثورة مستمرة.
وليد فارس – مركز الشرق العربي