تلفزيون سوريا – ماجد عزام
بدا اتصال حاكم الإمارات الفعلي محمد بن زايد مع بشار الأسد نهاية آذار الماضي لافتاً مفعماً بالدلالات، ولكنه غير مفاجئ طبعاً قياساً للعلاقات بين النظامين وقيادة الإمارات للثورة المضادة في العالم العربي التي يمثل بشار الأسد ركناً أساسياً فيها، كما لعداء أبي ظبي الموتور والمهووس تجاه تركيا، والتفكير اليائس في استنزافها وإضعافها والاستعانة بكل الأدوات المتاحة في مواجهتها بما في ذلك شخص ميت إكلينياً من الناحية السياسية، كما هو الحال مع بشار الأسد.
طفت علاقة الإمارات مع نظام الأسد على السطح منذ عامين تقريباً، عندما قررت أبو ظبي إعادة فتح سفارتها في دمشق ولو على مستوى القائم بالأعمال، وقادت جهود عربية للتطبيع مع النظام، وحملة منسقة مع أنظمة الفلول والثورات المضادة لإعادته إلى الجامعة العربية.
ثمة خلفيات متعددة للموقف الإماراتي المتحمس تجاه نظام أو بقايا نظام بشار الأسد أولها طبعاً عداء الإمارات للثورات العربية وقيادتها للثورات المضادة وسعيها المحموم لإعادة إنتاج أو تحديث الأنظمة التي أسقطتها الثورات الأصيلة.
الجهد الإماراتي الإقليمي تصاعد مع نجاحها السهل وغير المتوقع في القاهرة عبر إفشال التجربة الديمقراطية وإخراج عربة الثورة المصرية عن سكتها الدستورية السياسية الصحيحة، ما فتح شهيتها
أبو ظبي تولت دفع ثمن الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى التي قدمها السيسي لبشار، بما في ذلك عربات وصواريخ ومستلزمات أخرى مصرية الصنع
على التمدد وتعميم النهج نفسه عربياً. ومن هنا يمكن إدراج دعم بشار الأسد ضمن الاستراتيجية الإماراتية العامة في الدول العربية من اليمن إلى ليبيا والسودان مروراً بسوريا، طبعاً والهادفة إلى عرقلة وإفشال عملية التغيير الديمقرطي فيها.
نظام بن زايد كان عرّاب الدعم الكبير الذي قدمه نظام السيسي “وما زال” لنظام الأسد سياسياً وإعلامياً وعسكرياً طبعاً وبسهولة يمكن الاستنتاج أن أبو ظبي تولت دفع ثمن الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى التي قدمها السيسي لبشار، بما في ذلك عربات وصواريخ ومستلزمات أخرى مصرية الصنع، كما كانت أبو ظبي حاضرة سياسياً في المحاولات المصرية لإنتاج أطر سورية مصطنعة تدعى المعارضة نظرياً بينما تصطف عملياً في نفس المربع مع الأسد ونظامه.
إلى جانب العداء للثورات حضر كذلك العداء لتركيا في العلاقة الإماراتية مع نظام الأسد، وفي تبرير إعادة فتح السفارة الإماراتية بدمشق، والدعوة لإعادة نظام الأسد للجامعة العربية، قال دبلوماسيون “ومغردون” إماراتيون إن الانفتاح على النظام يأتي في سياق التصدي لتركيا وسياستها في العالم العربي بزعم أن القيادة التركية تحمل مشروعاً لاحتلال العالم العربي والهيمنة على مقدراته وتوجهاته العامة.
سورياً؛ لم تتوقف الذهنية الإماراتية الموتورة على الانفتاح تجاه نظام الأسد، وإنما تعدته إلى العلاقة مع ميليشيا قسد الذي تتهمه تركيا بأنه “الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني التركي” وتشجيعها على المضي قدماً في معركتهم الخاسرة واليائسة، أيضا “ضد تركيا” وتمويل مشروعها الانفصالي المشبوه الذي وجهت له تركيا ضربة، بل ثلاث ضربات قاصمة جعلته ميته سريرياً أيضاً.
إلى ذلك عملت الإمارات كذراع اقتصادي تمويلي للسياسة الأمريكية تجاه قسد ومنطقة شرق الفرات بشكل عام رغم أنها أي أمريكا تحمل نوايا تقسيمية واضحة، غير أن العداء والسعار تجاه تركيا تغلب على مبدأ الحفاظ على وحدة وسيادة دولة عربية شقيقة أو يفترض أنها كذلك.
العداء لتركيا كان حاضراً وجلياً طبعا في دعم أبو ظبي السياسي والإعلامي العلني للانقلاب الفاشل صيف العام 2016، ثم الحرب الاقتصادية العلنية أيضاً في العام 2018 عبر المضاربة على الليرة لإضعافها وصولاً إلى إضعاف، وحتى انهيار الاقتصاد التركي بشكل عام.
يبدو لافتاً ومثيراً للاهتمام كذلك أن علاقة أو بالأحرى تبعية نظام الأسد لإيران لا تزعج حكام الإمارات كونهم يعتبرون تركيا أخطر عليهم من إيران المصطفة معهم فى مربع الثورات المضادة، كما أن هذه الأخيرة “إيران” لا تملك فرصة للنجاح لأزماتها الداخلية المتفاقمة ومشروعها الطائفي المتراجع بالمنطقة في ظل العداء الشعبي العربي الواضح والصريح لها، مقابل تأييد وانفتاح بل الحماس الشعبي العربي تجاه تركيا الناهضة والقوية التي تتبنى سياسات مؤيدة للشعوب العريية وقضاياها العادلة في سوريا وفلسطين ومصر وليبيا وعموم المنطقة.
كان اتصال محمد بن زايد مع بشار الأسد بمثابة اعتراف رسمي بالعلاقة، وتعبير عن نقلها للعلن أو رفعها لمستوى أعلى مع استغلال جائحة كورونا لتبرير الاتصال والعلاقة المستجدة بشكل عام. وبالتأكيد لا أبشع من تبرير أو وضع العلاقة مع مجرم حرب في سياق إنساني أخلاقي دون الالتفات أو إعطاء أي اعتبار لجرائم الحرب الموصوفة والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الأسد بحق الشعب السوري طوال السنوات العشر الماضية.
جاء تقرير موقع “ميدل إيست” الأربعاء الماضي 8 نيسان المتعلق بخلفيات الاتصال الأخير بين بن زايد وبشار الأسد منسجماً مع المشهد المرسوم أعلاه، علماً أنه أشار إلى إغراء بن زايد لبشار، بل دفع رشوة له بمليارات الدولارات من أجل انتهاك اتفاق سوتشي، وإعادة احتلال محافظة إدلب وخوض المعركة مع تركيا واستنزافها أمنياً وعسكرياً وديموغرافياً عبر موجة مليونية أخرى من النازحين باتجاه حدودها.
الموقع أشار إلى بعد، بل جوهر ليبي لصفقة بن زايد – الأسد يتمثل باستنزاف تركيا وإشغالها في سوريا للتأثير على حضورها في ليبيا بعدما نجحت – مع حكومة التوافق الشرعية – في إفشال هجوم المتمرد خليفة حفتر ضد العاصمة طرابلس، وعملياً كسر مشروعه المدعوم إماراتياً للسيطرة على البلد كله، وإعادة تحديث نظام معمر القذافي البائد الذي أسقطته الثورة الليبية.
أعتقد أن الهدف الإماراتي لا يقتصر فقط على استنزاف تركيا وإشغالها بعيداً عن ليبيا، إنما إلى إعادة سيطرة نظام الأسد على إدلب وسوريا، وتعويمه عربياً وإعلان انتصاره على الثورة ضمن مخطط أبو ظبي لإعادة إنتاج أنظمة الاستبداد والفساد الساقطة، ومن ثم الكيد لتركيا والترويج سياسياً وإعلاميا لهزيمتها وتراجع حضورها في سوريا والمنطقة.
واضح أن مليارات الإمارات ارتدت عليها، ورغم بعض الإنجازات الجزئية إلا أن نظام الأسد تلقى ضربة تركية قوية في إدلب مع خسران عشر قواته بالمنطقة مقابل تكريس الحضور التركي سياسياً وعسكرياً، ولا يقل عن تلك أهمية التدخل الروسي للجم الأسد ومشغليه الجدد في أبو ظبي، وفي كل الأحوال فإن ذهنية موتورة مسعورة يائسة فقط بإمكانها التفكير في إعادة تعويم نظام الأسد، وتصوّر أي دور له في حاضر ومستقبل البلد أو ادعاء القدرة على إعادة عقارب التاريخ للوراء سورياً وعربياً.