قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الأحد الماضي إنَّ أكبر خطأ له كرئيس هو الفشل في التخطيط لمرحلة ما بعد سقوط نظام القذافي في ليبيا. لكن مثل سوء الوضع في ليبيا اليوم، الوضع في سوريا أسوأ بكثير، وذلك جزئيًا بسبب فشل إدارة أوباما، وهو الأمر الذي لم يعترف به الرئيس حتى الان.
في ليبيا، يأسف أوباما لعدم المثابرة على التدخل “بعد ما اعتقدت أنه الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله في التدخل”، هكذا قال في برنامج “فوكس نيوز صنداي”. والجدير بالذكر أنه في ذلك الوقت، كان البيت الأبيض فخورًا بالنهج الذي تبناه أثناء التدخل في ليبيا عام2011 والذي تركّز حول تقاسم العبء مع الحلفاء الأوروبيين، وتجنب نشر قوات برية أمريكية، والتخلي عن القذافي، فضلًا عن إعادة البناء السياسي والمادي لليبيين.
وفي عام 2011، قال لي نائب مستشار الأمن القومي بن رودس: “في حين أنّه سيكون هناك تحديات هائلة في المستقبل، إلّا أنَّ أحد الجوانب الإيجابية هنا هي أنَّ الليبيين هم الذين يقومون بتغيير النظام وهم مَن يقودون المرحلة الانتقالية”.
وأوضح رودس أنَّ مبادئ تقاسم الأعباء وترك القوات المحلية تأخذ زمام المبادرة كانت “الخصائص التي تميّز نهج الرئيس في السياسة الخارجية والتدخل العسكري”. وفي وقت لاحق وصف رودس هذا النهج بــ “القيادة من الخلف“
التدخل في ليبيا، الذي كان مدعومًا بشكل كبير من هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية آنذاك، يبدو مثيرًا للسخرية لآن؛ لأنه بعد مرور خمس سنوات لا تزال ليبيا تكافح لتحقيق الاستقرار والديمقراطية. لقد فشلت الميليشيات في تسليم السلطة، ولم تحصل حكومة الوحدة الوطنية الهشة على الشرعية على نطاق واسع حتى الآن، ولا يزال تنظيم الدولة الإسلامية يتوسع في الأراضي الليبية.
لكن ليبيا في وضع أفضل من سوريا، ولكن بدون تدخل عسكري يقوده حلف شمال الأطلسي أو الولايات المتحدة. وفي حين أن ليبيا قد تضم ما يصل إلى 6000 مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية، في سوريا هناك 20 ألف إلى 30 ألف من مقاتلي التنظيم، وذلك وفقًا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. وتُقدّر جماعات حقوق الإنسان أن عدد مقاتلي التنظيم يصل إلى 50 ألف
والأهم من ذلك، تمثل سوريا والعراق جوهر تنظيم الدولة الاسلامية، حيث يسيطر التنظيم على المدن الكبرى ومن حيث تصدير عقيدته والمقاتلين إلى أماكن مثل ليبيا. كما أصبحت سوريا مكان تخطيط شنّ العمليات الإرهابية في أوروبا؛ فالمهاجمين المتورطين في هجمات في باريس وبروكسل تدربوا في سوريا، وليس ليبيا
على الصعيد السياسي، ليبيا وضعها أفضل بكثير من سوريا. بعد مفاوضات طويلة من الأمم المتحدة، تعمل حكومة الوفاق الوطني على توطيد السلطة. النجاح ليس مضمونًا في تلك الحالة، ومع ذلك هناك طريق واضح للمضي قُدمًا، وإجماع متزايد حول هذا الطريق، وفرصة مناسبة لمصالحة سياسية حقيقية.
في سوريا، تُظهر محادثات جنيف الجارية مؤشرات قليلة على حل الأزمة. في أفضل سيناريو، سيبقى بشار الأسد في السلطة لمدة تصل إلى 18 أشهر أخرى حتى إجراء الانتخابات، وقد يرشح نفسه في تلك الانتخابات. وهناك تقييم أكثر واقعية؛ وهو أنَّ نظام الأسد لن يعترف بأي سلطة وسوف يستمر في نّ الهجمات على المدنيين لسنوات عديدة.
عندما قرر أوباما مهاجمة نظام القذافي في عام 2011، كان السبب الذي أعلنه هو أن التدخل كان ضروريًا لمنع القذافي من ارتكاب إبادة جماعية ضد المدنيين في بنغازي.
وقال أوباما بعد أن قرر الهجوم: “إذا انتظرنا يومًا واحدًا، لشهدت بنغازي مجزرة تردد صداها في جميع أنحاء المنطقة ولأصبحت بقعة سوداء لا تُمحى في ضمير العالم. ل يكن في مصلحتنا الوطنية أن ندع ذلك يحدث. لذلك، رفضت حدوث ذلك.”
اليوم، المدنيون الليبيون هم أفضل حالًا من نظرائهم في سوريا. لقد أدت حملة نظام الأسد من الضربات الجوية والحصار والمجاعة إلى تحطيم مدن أكبر من بنغازي. وقد قُتل 300 ألف مدنيًا على الأقل، وتعرض أكثر من 10 آلاف شخص للتعذيب أثناء اعتقالهم في سجون النظام، ونزح 12 مليون داخليًا، وهرب 4 ملايين من سوريا، متجهين إلى البلدان المجاورة وأوروبا، الأمر الذي أدى إلى نشر حالة من عدم الاستقرار تجاوزت الحدود السورية. في ليبيا، قُتل نحو 1500 شخص نتيجة القتال في العام الماضي.
في مقابلة أجراها مؤخرًا مع صحيفة “ذي أتلانتيك”، تفاخر أوباما بإصراره على تجنب المزيد من التدخل الأمريكي في الأزمة السورية. وقال إنه قاوم في سوريا السير وفق “قواعد اللعبة التي تمارسها واشنطن،” والتي تخرج من “مؤسسة السياسة الخارجية”. ووصف قواعد اللعبة بأنها فخ يؤدي إلى قرارات سيئة في النهاية
في أوقات مختلفة، أعطى أوباما ومساعدوه عدة أسباب أخرى بشأن لماذا كانت ليبيا مكانًا جيدًا للتدخل ولم تكن سوريا كذلك. في ليبيا كان هناك اتفاق بين الأمم المتحدة وحلف شمال الاطلسي للهجوم. لقد كانت ليبيا مهمة أكثر سهولة. ولم يكن لدى القذافي داعمين أقوياء في روسيا وإيران.
كل هذه الحقائق تفتقد إلى عنصر أهم؛ وهو أنَّ سوريا أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية والرمزية. إنَّ الفشل الأمريكي في سوريا يؤثر بشكل مباشر على مصالح الأمن القومي الأمريكي ومصالح حلفائها، وحاصة تركيا وإسرائيل. ولذلك، فإنَّ إعادة بناء سوريا في يوم من الأيام ستكلّفالمجتمع الدولي مئات المليارات من الدولارات.
وثمة فرق آخر بين ليبيا وسوريا عند رؤساء الولايات المتحدة في المستقبل؛ وهو نفوذ الولايات المتحدة هناك. مهما يحدث في ليبيا، سيكون هناك بعض النوايا الحسنة المتبقية تجاه الولايات المتحدة واعتراف بأنه عندما كان المدنيون في خطر التعرض للذبح، اختارت أمريكا عدم النظر في الاتجاه الآخر والتدخل. لكن الوضع ليس كذلك في سوريا، حيث ينشأ جيل كامل من الشباب داخل مناطق الحروب، ويشعرون بأنَّ الدول الرائدة في العالم قد تخلت عنهم.
وفيما يتعلق بفائدة ذلك على المصلحة الأمريكية، والمنطقة، والعالم، فإنَّ سياسة الرئيس أوباما في ليبيا، رُغم نقصها، إلّا أنها كانت ناجحة أكثر من سياسته في سوريا. وحتى سياسة القيادة من الخلف لحل المشكلة هي أفضل من تبني سياسة تسمح بدخول المشكلة في دوامة خطيرة خارجة عن نطاق السيطرة.
بلومبرغ فيو – إيوان24