في كل يوم يصعقنا الإعلام الموالي للنظام السوري باستنتاج غريب عجيب لا يعبر إلا عن الحقد والاستهزاء والاستهتار بدماء أطفال ونساء وشيوخ سورية, فهذا الإعلام البعيد عن المصداقية بات مفضوحاً وفاقداً حتى لأدنى معايير المهنية الأخلاقية, بل يزيد على ذلك ليستمر في الكذب وتزييف الحقائق والتحريض والدعوة لاستمرار الانتقام والقتل, حيث وصل الانحطاط الأخلاقي بهذا الإعلام لدرجة كبيرة, فقد تعدى مسألة تبرير الجريمة التي يرتكبها النظام وتكذيبها بشكل قاطع ليصل لدرجة الاستهزاء بنزيف دماء الأطفال ووصفها “بالمسرحيات التمثيلية”
منذ اندلاع أحداث الثورة السورية والإعلام السوري يعيش حالة انفصام عن الواقع مقصودة, رغم سذاجة وسخافة تقديم وطرح المادة الإعلامية المكذوبة على جماهيره المؤيدة بل وحتى على الرأي العام العالمي, فجميعنا يتذكر اتهام الإعلام السوري لدولة قطر بصنع مجسمات للمدن السورية وعمل مظاهرات وهمية وافتراضية حولها, رغم أن المجتمع الدولي برمته شاهد كل تلك المقاطع المصورة للحشود الشعبية الهائلة للمتظاهرين السوريين في مختلف مراكز المدن والقرى والبلدات السورية, وعندما سلكت الثورة السورية طريق الكفاح المسلح وقابلها النظام بالرد والانتقام العنيف من المدنيين السوريين عن طريق قصف الأحياء السكنية بمختلف أنواع القنابل والقذائف مستخدماً المدافع الثقيلة وراجمات الصواريخ والطائرات الحربية القاذفة, ومحدثاً آلاف المجازر ومدمراً للبيوت السكنية فوق رؤوس ساكنيها, سلك الإعلام السوري طريقاً جديدة ملتوية بنكران وتكذيب كل تلك المشاهد المأساوية لانتشال الاطفال والنساء والشيوخ من تحت الانقاض والكتل الإسمنتية, متبعاً أسلوبا ساخراً لا يعبّر إلا عن التجرد من القيم الاخلاقية والإنسانية سيما مع استمراره في إطلاق عبارته الشهيرة على كل المآسي في سورية بالقول:
“الثورة السورية هي أكبر استوديو للتزوير في العالم”
انحدار إعلامي جديد:
تداول مؤيدو النظام في الآونة الأخيرة مقالة تستهزئ بدماء الطفل الحموي “عبد الباسط” والذي بترت ساقاه في قصف من الطيران الحربي على بلدة الهبيط في ريف إدلب الجنوبي “الطفل صاحب العبارة الشهيرة: يا بابا شيلني”, وقاموا بنشر تلك المقالة على حساباتهم الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعية “فيس بوك”.
تتمحور المقالة حول اتهام المقطع المصور بالفبركة والتزوير, بل تم وصفه بالمسرحية التمثيلية مستدلاً كاتبها على ادعائه بمجموعة من عبارات التشكيك التي اعتبرها دلائل تشير إلى عدم صحة مقطع الفيديو الذي هز مشاعر العالم.
يدّعي الكاتب أن الطفل أصيب بإصابة بالغة الحجم ولكنه لم ينزف الدماء!, ثم يقول أن الطفل في حال النزيف الصاقع لابد أن يكون في حالة صدمة ولا يقوى على النهوض, وفي المشهد يبقى جالساً!, ثم يتهم الأب بالإشراف على التمثيلية بقوله:
لا يوجد أب في العالم أو أي شخص يسعف طفلاً أن يمسكه بالطريقة اللامبالية التي ظهرت في المشهد حيث يمسك الطفل بيد ويمسك جهاز اللاسلكي باليد الأخرى!
الادعاء المفضوح بطريقة استهتار لا إنسانية:
نحن بدورنا نقول للمؤيدين الذين يعلمون حقيقة كذب إعلام النظام “فطول سنين الثورة كشفت لهم كل الأكاذيب وعرّت فاعليها”, وللجمهور الذي ما يزال يقنع نفسه بالكذب, أن هذا الطرح الذي يستهزئ بدماء وأشلاء الطفل “عبدالباسط” وغيره هو طرح فاشل ولا يعبّر إلا عن عجز تبرير الجرائم.
إصابة الطفل هي نتيجة البراميل المتفجرة من الطيران المروحي, ولحظة الانفجار وتطاير الشظايا تكون درجة حرارتها مرتفعة كثيراً لدرجة أنها تقوم أحيانا بكي مكان البتر الذي تحدثه في الجسد, ثم إن الكمية الهائلة من الغبار والسرعة وحالة الهلع التي أصابت من صور المشهد ستجعله يصور المشهد ببدائية تظهر الإصابة بعيداً عن ما حولها, بحيث قد لا تظهر آثار الدماء النازفة, ثم إن جلوس الطفل على الأرض هو نتيجة حالة الصدمة, على العكس تماماً ظهر الطفل بحالة صدمة هائلة جعلته لا يدرك فظاعة الحدث فتفوه بكلمات سريعة تعبر عن عجزه عن النهوض :يا بابا شيلني” ثم ارتمى أرضاً لفقدانه التوازن نتيجة بتر الساقين, تماماً عندما يتم قطع رأس طائر لكنه يتحرك لعدة لحظات لأن الجرح في حالته الساخنة, وعلى هذا الكاتب الساخر بدماء الاطفال زيارة المناطق المحررة ليشاهد بأم عينه مدى انتشار أجهزة الاتصال اللاسلكي بين أيادي المدنيين “القبضة” حيث تلازمهم في كل الاوقات خشيةً من غدر الطائرات التي قصفت آلاف المرات تجمعات المدنيين وأسواقهم, وإن ادّعاء الكاتب بوجود “القبضة” بيد المسعف هي تأكيد على صحة المشهد, لأن كل من يقوم بعمليات الإسعاف يحمل هذا الجهاز بيده لإدراكه تماماً أن الطائرة تعود لتقصف نفس الهدف مجدداً, وهذا ما يحصل فعلياُ في المناطق المحررة.
إذن حديث وسائل إعلام النظام ومؤيديه بطريقة ساخرة عن مآسي السوريين هي ليست مفاجئة, فهم لا يتوقفون بتاتاً عن إطلاق الأكاذيب التي تبرر الجرائم وتستهزئ بأشلاء الابرياء, بل إن إعلام الدول المشاركة مع النظام “روسيا وإيران” في ارتكاب الجرائم بحق أبناء الشعب السوري ينتهج نفس الأسلوب في التزوير ونشر الاكاذيب مع اختلاف لهجة ونبرة السخرية فقط..
ولكن اللوم لا يقع على الجاني الذي اعتاد على ارتكاب الجرائم الوحشية, فهو خياره منذ البداية, اللوم يقع على المجتمع الدولي الصامت والمتفرج على الجريمة المرتكبة بحق الطفل عبد الباسط وغيرة من آلاف الاطفال السوريين من ضحايا الحرب, ويكتفي بالتعاطف والتنديد, و أحيانا يراقب الجريمة باعتبارها مشهداً مصوراً غريباً من دون أي ردة فعل, للأسف هذا ما يجري لأطفالنا..
المركز الصحفي السوري-حازم الحلبي.