بعض الكتاب العرب يضللون الشعب. كيف لزعيم دولة عظمى مثل بوتين أن يأتي بقواته علنا للدفاع عن الأسد، والبعض يقول إن ذلك للقضاء على نفوذ إيران. فلاديمير بوتين يجلب الأسد إلى موسكو، ويجتمع به وزير دفاع الجيش الروسي النووي ووزير خارجية روسيا الماكر وبوتين، والبعض يقول قد تم تهريب الأسد كبضاعة مخدرات، وكان الرئيس بوتين يهين الأسد. لماذا رئيس دولة عظمى يعلن حمايته لرئيس دولة صغيرة من العالم الثالث، ويتحدى المجتمع الدولي كله، ويجتمع به في عاصمته؟ هل هذا لكي يهينه مثلا؟
بحسب مركز “جينز” البريطاني المتخصص فإن روسيا تنفق على عملياتها العسكرية في سوريا 2.4 مليون دولار يوميا، وهذا معناه أن روسيا يمكن أن تكلف إيران ملياري دولار فقط لو قدمت هذا الدعم لثلاث سنوات متواصلة. أليس الاتفاق النووي يتضمن الإفراج عن عشرات المليارات من الدولارات الإيرانية المجمدة؟ ليس صحيحا بأن العمليات العسكرية الروسية عبء اقتصادي عليها. خصوصا وأنها تقدم هذه الخدمات لحليف اقتصادي مهم مثل إيران. ثم إن الفاتورة الروسية ستكون أرخص بمئة مرة من الفاتورة الأميركية المبالغ فيها دائما.
الواقع اليوم أن المعارضة المسلحة في موقف الدفاع ولم يعد النظام يخسر مساحات من الأرض. وعلى النقيض من الولايات المتحدة التي لا تمتلك أيّ استراتيجية للمأساة في سوريا يبدو بوتين واثقا من قدرته على إيجاد حلول للجميع. وفي النهاية -كما يقول جوش كوهين- من الممكن أن يقبل الغرب بصفقة يبقى فيها الأسد في السلطة إما في دور شرفي أو في إطار فترة انتقالية طويلة الأمد. فلاديمير بوتين يريد أن يقايض أوروبا لرفع العقوبات الاقتصادية عن بلاده مقابل حل مشكلة اللاجئين، وفي نفس الوقت يريد أن يجد لروسيا مكاناً في الشرق الأوسط من خلال بناء علاقات قوية مع دول الخليج الغنية.
حسن نصرالله في عاشوراء يقول علنا إنه مع الأسد حتى آخر جندي، وتحت أمر الولي الفقيه الإيراني، ويصيح بجنوده إن الحسين قد قال في ليلة عاشوراء “هذا هو الليل قد غشينا فاتخذوه جملا. لا أجبركم على القتال مع حزب الله، من يريد الهرب فليهرب، ومن يريد الالتحاق بالعدو فليفعل”. ونحن نردّ ببرنامج ساخر ضد قائد عقائدي إرهابي كهذا.
إيران يتساقط جنرالاتها الكبار تحت أسوار الأسد ونحن نقول هؤلاء جنرالات تتخلص منهم إيران باغتيالات لفسادهم أو لشذوذهم الجنسي.
ليس عندنا سوى الإشاعة وقلب الحقائق. إنهم يضعون السلطان بيد مراجعهم الدينيين. إلى متى يسمح العالم لإيران بتفتيت الدول وهدم الوجدان السني وتهجير الشعوب بالملايين؟ وإلى متى يستمر العرب بإنكار ما يجري حقا؟ إن حياة الشعوب ومجدها لا يصنعه الإعلام الكاذب ولا مكاتب المخابرات، بل تصنعه العقائد الصادقة والرجال الشجعان. تصنعه العقول الخلاقة والتضحيات.
المشكلة لا يوجد خطر داخلي واضح على إيران فهي دولة بحدود تاريخية طبيعية، منسجمة مع عقيدة شيعية، ولا توجد عليها هيمنة أجنبية. وهذا ما يفسر لنا لماذا تتمرد الموصل السنية ولا تتمرد الأحواز العربية، أو لماذا تتمرد كردستان السورية والتركية والعراقية بينما كردستان إيران هادئة لعقود طويلة. إيران كما يبدو حتى الآن قوية من الداخل.
مهم جدا للكتاب العرب هذه الأيام ملاحقة رجال الدين السنة حتى صار واحدهم يخاف من خياله ومن الحديث مع زوجته. أين هذا من العوائل الشيعية الدينية التي قدمت قتيلا فوق قتيل من الأسرة الواحدة، وكان بيدهم المال والذهب والقداسة وليس راتبا حكوميا. المشكلة حين يتم إعدام رجل الدين الشيعي يحمله الشيعة كشهيد في العيون والقلوب، يطبعون كتبه ويرددون كلماته ويرفعون صوره، بينما إعدام رجل الدين السني لا يثير عاطفة الناس على الإطلاق، بل على العكس يعتبرونه صاحب فتنة. لهذا ترى رجال الدين السنة يعرفون حدودهم ويطعمون دمهم المشكوك به بـ”فاكسين” الوطنية والقومية، بل يتحوّلون إلى بهاليل بسبب الظرف السياسي العام. هذا يؤكد وجهة نظر علي الوردي بأن رجل الدين الشيعي يقبض المال من الناس لهذا هو يسعى إلى إعجابهم، بعكس رجل الدين السني الذي هو مجرد موظف. ربما لهذا ترى أن هؤلاء الذين يهاجمون رجال الدين السنة يترددون كثيرا أمام قداسة ونفوذ السيد السيستاني مثلا.
ما رأي الكتاب العرب فيما قاله رئيس الاستخبارات الفرنسية الثلاثاء الماضي بمؤتمر حول الاستخبارات بواشنطن؟ ألم يعلن الرجل أن “الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة”. مؤكدا أن “دولا مثل العراق أو سوريا لن تستعيد أبدا حدودها السابقة”؛ وقد وافقه الرأي نظيره الأميركي قائلا إن “الحل العسكري مستحيل في أي من هذه الدول”. لماذا الحل العسكري مستحيل؟ أليس لأننا ضغطنا على السنة أكثر من اللازم، لقد تم في الحقيقة سحق هذا الوجدان إلى درجة تهدد بفقدان السيطرة والانفجار في المستقبل.
في العراق مثلا أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أنه يدعم جهود رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الإصلاحية، في اليوم التالي لهذا التصريح الإيجابي ردت الحكومة العراقية بمذكرة اعتقال ومصادرة أموال أحد أهم السياسيين السنة بتهمة الإرهاب وهو الشيخ خميس الخنجر.
هذا هو الإصلاح الطائفي الذي تقوم به حكومة العبادي المفلسة. لقد أنفق العراق قرابة 1000 مليار دولار خلال الـ10 سنوات الماضية، والنتيجة هي أن خزينة الدولة فارغة منذ أيلول 2014. العراق مفلس ويخوض معركة مع أخطر تنظيم متطرف في العالم. يقول نبراس الكاظمي إن رواتب الموظفين والمتقاعدين وحدها تبلغ 51 مليار دولار فكيف تتمكن دولة مفلسة مع هبوط أسعار النفط الحالي على الوفاء بالتزاماتها؟ وكيف يمكن للحرب على داعش أن تنجح في ظروف الإفلاس والسياسة الطائفية العدوانية؟
السيناتور ليندسي غراهام، أحد مرشحي الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية، يخاطب بقسوة في جلسة استجواب بمجلس الشيوخ كلا من وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر وقائد الجيش الأميركي الجينرال دانفورد. لا يهم الكتّاب العرب ما ورد في هذا الاستجواب حول تخبط السياسة الأميركية فيما يتعلق بسوريا. السيناتور الجمهوري المخضرم يجبر الجميع على الاعتراف بتراجع السياسة الأميركية في العالم، وأن اجتماعات فيينا ما هي إلا تسليم سوريا لإيران وروسيا. فهو يرى أن تدريب سوريين للقضاء على الدولة الإسلامية لا يمكن له أن ينجح بوجود روسيا وإيران وحزب الله إلى جانب الرئيس الأسد، المسؤول عن قتل ربع مليون سوري. السيناتور غراهام يقول هذه القوات السورية التي نريد تدريبها هل تريد إسقاط الأسد في النهاية؟ وإذا حاربت الأسد هل نتخلى عنها بسبب دعم إيران وروسيا للأسد؟ ويعلن بأن سياسة كهذه لا يمكن أن يُكتب لها النجاح. إنها سياسة صفقات سياسية على حساب معاناة الشعوب.
الخلاصة هي أننا نسير نحو محنة كبيرة تهدد بالانفجار إذا استمر الكتّاب العرب بمهاجمة الإسلام السني فقط وإهمال السياسة الطائفية الإيرانية ذات الأهداف الديموغرافية. ولا أعرف إلى متى يمارس بعض الكتاب سياسة النعامة. فمن غير المعقول أن نواجه حربا وجدانية شاملة كهذه بلا انتماء وجداني مقابل.
صحيفة العرب