ظهر أن روسيا تنتقل بعد “تحرير” حلب (من سكانها) إلى طرح صيغةٍ للحل السياسي، ولقد توافقت عليها مع كل من إيران وتركيا. وهي صيغةٌ تقوم على الحوار بين النظام والمعارضة، بعيداً عن جنيف 1، وقرار مجلس الأمن رقم 2254. بالتالي، تفرض صيغتها التي تقوم على بقاء بشار الأسد، وتشكيل “حكومة وحدة وطنية”. وتعتبر أن الحرب على الإرهاب هي ما يفرض التحالف بين تلك الدول، على الرغم من أن كلاً منها يعرف أن الإرهاب المشار إليه هو من صنعها، حيث عملت الدول الثلاث على دعم “داعش” وجبهة النصرة بأشكال مختلفة، وعززت من دورها لإضعاف الثورة من جهة، ومن جهةٍ أخرى لاستغلال وجودها مبرراً لقصف الكتائب المسلحة والهجوم عليها. هذا ما فعلته روسيا بالضبط، حيث أنها لم تقصف لا “داعش” ولا “النصرة” (إلا بشكل استعراضي)، وركّزت قصفها وقتلها على الكتائب التي تتصف بطابع شعبي، والتي تمثّل القوى الشعبية التي ثارت ضد النظام من خلال التظاهرات السلمية، ثم اضطرت إلى حمل السلاح. وكان واضحاً أن ما تريده روسيا، مثل النظام، هو بالتحديد سحق قوى الثورة، وليس لا “داعش” ولا جبهة النصرة، ولا حتى المجموعات الأصولية الأخرى.
ما يخيف روسيا، بالتالي، هو روح الثورة التي كانت تتحسّس من وصولها إليها، مثلها هنا مثل كل الدول الإمبريالية، والنظم التابعة. وباتت تريد، كما يبدو، فرض الحل السياسي الذي يناسبها، بالضبط كما فعلت السعودية في اليمن، حينما أبقت علي عبدالله صالح في السلطة، وراوغت طويلاً قبل تنحيته من دون أن تسمح في تغيير في بنية الدولة. لكن ذلك كله لم يمنع انفجار الوضع من جديد. ولا شك في أن الحل الروسي كما يُطرح لن يمنع انفجار الوضع من جديد، على الرغم من وجود قواتها العسكرية (الجوية والبرية) في سورية.
ربما تستطيع روسيا الآن أن تقرّر حلاً، بعد أن ضمنت كل من إيران وتركيا، وهو ما يسمح بإخضاع القوى التابعة لكل منها، وبحصار القوى الرافضة، لكنها لا تستطيع تحقيق قبول الشعب، وبالتالي، القدرة على بناء جيشٍ يحمل الدولة التي باتت تُحمل على أرجلٍ من إيران وروسيا وأشتات العالم.
لكن، سيقود هذا التوافق بين هذه الدول إلى انكشاف المعارضة والكتائب المسلحة التي اعتمدت على الدول الأخرى، لأن التوافق بين هذه الدول الثلاث سوف يفرض قبول الدول الأخرى. فقد عملت روسيا على “تبليغ” أميركا بنتيجة الاتفاق، وسوف تفعل ذلك مع السعودية وقطر وأوروبا، وأظن أن كل هذه الدول سوف تدعم الصيغة التي جرى التوافق عليها. وسوف تعلن كلها “الحرب على الإرهاب”، على جثة الشعب السوري.
ما سيكمل “الصورة” هو الدور الذي ستلعبه جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) في جرّ مجموعاتٍ سلفيةٍ، لكي تخضع لسيطرتها، وتأسيس إمارة سلفية في إدلب، تكون مدخلاً لتبرير “الحرب على الإرهاب”، على الرغم من أن “النصرة” هي أول من يُسمح لها بالخروج والحركة، كما حدث في حلب، حيث خرجت أولاً بهدوء على الرغم من أن كل الحرب على حلب جرت بذريعة تصفيتها. إنها المبرّر للحرب، لكنها لا تُحارب، لأنها “الطُعم” فقط، الطُعم الذي أوجده النظام، ويُستخدم للقتل والتدمير “من دون أن يُصاب بأذى”. ولهذا، سوف ينتهي دورها حال الوصول إلى حل، بعد أن تكون قد عاثت بالثورة، وخدمت كل سياسات النظام وروسيا، وإيران.
اللافت بعد الانسحاب من حلب أن جبهة النصرة تريد “توحيد” المجموعات السلفية تحت سيطرتها تحت مسمى توحيد “قوى الثورة”، على ضوء “الضغط الشعبي”، ما يعني تبرير قصف تلك القوى تحت حجة الاندماج بهذا التنظيم الذي يُصنّف إرهابياً. لكن ما يظهر واضحاً بالفعل أن المجموعات السلفية لا تستطيع سوى التقارب، لأن منطقها واحد، وهدفها واحد: “دولة إسلامية”. ولا شك في أن ذلك كان جزءاً من “خراب” الثورة. الثورة التي لن تنتهي، على الرغم من كل ما حدث. كيف؟ سنجيب على ذلك.
العربي الجديد