تعالت أصوات الاحتجاجات في القاعة التي أعلن منها أعضاء المؤتمر الجمهوري دونالد ترامب مرشحهم لخوض الانتخابات الرئاسية نحو البيت الأبيض، فيما اعتبر مندوبو بعض الولايات أنهم أجبروا على منح أصواتهم لترامب، على عكس رغبتهم؛ بدعوى انسحاب مرشحيهم المبكر، الأمر الذي يوحي بأن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية قد تأخذ منحى آخر في حال فوز ترامب.
وطالما أطلق المرشح الجمهوري “المثير للجدل” تصريحات عدها كثير من دول العالم عنصرية، وتدعو للكراهية تجاه الأقليات الدينية والعرقية، خصوصاً في المجتمع الأمريكي الذي يمتاز بتعدده الثقافي والديني، أعقبها حدوث مواجهات دامية بين الشرطة الأمريكية في ولاية دالاس، عقب عمليات قتل عنصرية قام بها أفراد من الشرطة، بينما دفع المسلمون هناك ثمن تلك التصريحات التي أسهمت بزيادة نسبة العنف ضدهم؛ بعد مطالبته بفرض حظر مؤقت على دخولهم أمريكا أثناء حملاته الانتخابية.
ويبدو أن ترامب مرر من خلال لغته الخطابية التي تتمييز بالعنصرية والتحريض ضد المسلمين والأقليات في المجتمع الأمريكي، رسائله ودعايته الانتخابية التي حصد بسببها أكبر عدد من الأصوات بين المنافسين، ما أهله إلى منافسة مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، التي من المفترض أن يقدمها حزبها الديمقراطي كمرشحة للانتخابات ذاتها في المؤتمر الوطني للحزب، الذي سيقام في مدينة فيلادلفيا من ولاية بنسلفانيا، للفترة من 25-28 يوليو/تموز الحالي.
ورغم أن تصريحات ترامب العنصرية واجهت سيلاً من الانتقادات الداخلية والخارجية، منها إعلان مارك زوكربرغ، الرئيس التنفيذي ومؤسس موقع فيسبوك، دعمه المسلمين في الولايات المتحدة وحول العالم، الذي أكد فيها أهمية التصدي للهجمات التي تتعرض لها جميع الطوائف في المجتمع الأمريكي، إلا أن مراقبين يرون أن تصريحات المرشح الجمهوري، وصعود اليمين المتطرف في عدة دول غربية وأوروبا، أسهمت بزيادة شعبية ترامب مقابل تراجع للأحزاب الليبرالية وأحزاب الوسط، خصوصاً في أوروبا.
وعلى المستوى الداخلي ذكر تقرير نشرته وكالة “موديز” الدولية للتصنيف الائتماني، أنه في حال فاز مرشح الحزب الجمهوري بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، ونفذ مقترحاته الاقتصادية خلال سنوات حكمه الأربع، فإن 3.5 مليون نسمة سيخسرون وظائفهم، وإن نسبة معدل البطالة ستكون نحو 7% بدلاً من 5% حالياً.
– ترامب وملفات الشرق الأوسط
وتناقضاً مع سياسة الرئيس الحالي باراك أوباما حول إنشاء المنطقة الآمنة في سوريا، يدعو الملياردير الأمريكي، دونالد ترامب، إلى ضرورة بناء “مناطق آمنة” داخل سوريا، تتحمل دول الخليج العربي تكلفتها؛ بهدف إيقاف تدفق اللاجئين إلى أوروبا والولايات المتحدة، وذلك في كلمة له أمام حشد من مؤيديه، في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا.
وركب ترامب موجة “الإسلاموفوبيا” المتصاعدة في الولايات المتحدة الأمريكية، واستخدمها وسيلة للترويج لنفسه في الانتخابات الرئاسية، ويرى ضرورة ألّا تكون بلاده “شرطي العالم”، في حين يعارض بشدة اتفاقيات التجارة الدولية؛ الأمر الذي يدفع نسبة من الجمهوريين إلى تأييده في هذه المسائل، والتصويت له.
ويدعو ترامب إلى مراقبة المساجد في الولايات المتحدة، والتفكير بعمق في إجراء دراسات أمنية بحق المسلمين القاطنين بالبلاد في إطار مكافحة “الإرهاب”، كما تفعل دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي يصفها بأنها نجحت في مثل هذه القضايا.
أظهر استطلاع للرأي أعده “مركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينغز” الأمريكي في واشنطن، تأييد 59% من المشاركين قبول اللاجئين من الشرق الأوسط، وخاصة سوريا، بعد اجتيازهم للاختبارات الأمنية اللازمة، فيما أبدى 41% اعتراضهم على ذلك، وذكر التقرير أن 77% من الرافضين لاستقبال لاجئين سوريين يدعمون المرشح الجمهوري المحتمل للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، في حين أن 80% من المؤيدين يدعمون المرشحة الديمقراطية المحتملة هيلاري كلينتون.
وفي تصريحات أعقبت انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، وصف ترامب القرار بأنه “أمر عظيم”، استعاد به المواطنون البريطانيون وطنهم مرة أخرى بالتصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أن وقع أكثر من مليون بريطاني على عريضة مطلع العام الجاري لحث الحكومة البريطانية على رفض منح ترامب تأشيرة دخول البلاد.
ويعتبر ترامب -الذي أيّد غزو بلاده للعراق عام 2003- بقاء الأنظمة الديكتاتورية في السلطة الخيار الأفضل للشرق الأوسط، وقال إنه كان على الولايات المتحدة “ألا تزعزع استقرار العراق”، وأضاف أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان “رجلاً سيئاً”، لكن اليوم انتهى الأمر، وتحول العراق إلى جامعة هارفارد “للإرهاب”، وتابع أنه “لو بقي نظاما صدام حسين في العراق، ومعمر القذافي في ليبيا، لكان العالم اليوم أقل تفتتاً، وأكثر استقراراً”.
ويناقض ترامب نفسه في ذات التصريح بضرورة “التخلص من الدكتاتور المجرم بشار الأسد”، بينما يؤيد تدخل روسيا في سوريا التي تقاتل إلى جانب الأسد، مبدياً استعداده لانتهاج سياسة أكثر مرونة مع موسكو في حال فاز في الانتخابات الرئاسية، كما دعا بلاده مراراً إلى وقف تقديم الدعم للمعارضة السورية التي تقاتل من أجل التخلص من نظام الأسد.
ترامب الذي تصفه كوريا الشمالية بـ”الحكيم ذي الرؤية الثاقبة”، دعا غريمتها كوريا الجنوبية إلى تطوير قنبلة نووية تردع بها جارتها الشمالية، وهو كلام اعتبرته كوريا الشمالية اعترافاً بقدرتها النووية، يسعى إلى وقف توفير بلاده غطاء للدفاع عن دول عربية أو دول مثل كوريا الجنوبية واليابان؛ لكي تتفرغ لمواجهة مشاكلها الاقتصادية وديونها، كما أنه دعا أمريكا مراراً للتوقف عن محاولة بناء الدول الأخرى وتعليم الديمقراطية “لشعوب عاشت تحت حكم الديكتاتوريات قروناً”، مشيراً إلى فشل تجربة التدخل في العراق.
ويؤكد ترامب -الذي عبّر الرئيس أوباما مع عدد من زعماء العالم مؤخراً عن قلقهم تجاه تصريحاته، وجهله بتعقيدات السياسة الدولية- أنه إذا انتخب فسوف يقدم كل ما تحتاجه وتطلبه دولة الاحتلال الإسرائيلي، كما أعلن أنه سيمزق الصفقة النووية مع إيران، التي يرى بأنها تشكل تهديداً لأمن إسرائيل، “ونحن يجب أن نحمي إسرائيل”، على حد تعبيره.
ومن تلك المنطلقات يبدو أن ترامب سيدير السياسة الخارجية بعقلية رجل الأعمال البارع في كسب الصفقات وإجراء المفاوضات، كما يصف نفسه، وربما يتراجع عن معظم مواقفه وشعاراته الانتخابية في حال فوزه، بحكم خبرته في معرفة حسابات الربح والخسارة، لكن مثلما أنه محب للأضواء والضوضاء، وسجله مليء بالتناقضات والتراجعات عن التصريحات والمواقف، إلا أنه في الحقيقة وببساطة لا أحد يعرف كيف سيتصرف الرجل إذا انتخب رئيساً، وهل سيغير مواقفه، أم يواصل “حفلة التهريج” التي بدأها في حملاته الانتخابية.
الخليج أونلاين