بعد أيام من إعلان روسيا سحب قواتها من سوريا هدد رئيس النظام السوري بشار الأسد بإنهاء الهدنة ومواصلة الحرب ضد قوات المعارضة إذا فشلت المفاوضات الحالية في جنيف. كما اعتبر الأسد إيران «الداعم الرئيسي» لنظامه حالي.
اواستقبل بشار الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم، أمس، رئيس اللجنة الاستراتيجية للعلاقات الخارجية الإيرانية ووزير الخارجية الأسبق كمال خرازي.
وأفادت وسائل إعلام إيرانية بأن الطرفين بحثا مفاوضات جنيف وعلاقات طهران ودمشق وتطورات المنطقة.
ونقلت القناة الإخبارية الإيرانية عن بشار الأسد قوله إنه لو لا الدعم «الاستشاري» الإيراني لما أجبرت المعارضة السورية على قبول المفاوضات مع النظام، معتبرا إيران «الداعم الرئيسي» لنظامه منذ اندلاع الثورة السورية.
وبحسب القناة الإيرانية فإن الأسد أكد استمرار القوات الإيرانية في مهمتها «الاستشارية».
يشار إلى أن إيران تصف وجودها العسكري المتمثل بقوات الحرس الثوري وفيلق قدس وميليشيات تابعة لها بـ«الاستشاري» فيما أظهرت مواقع تابعة للحرس الثوري أن الوجود الإيراني خلافا لما تدعيه إيران يتجاوز الدعم الاستشاري خاصة بعد سقوط عدد كبير من قادة نخبة الوحدات الخاصة التابعة للحرس الثوري الإيراني. من جانبه، أكد خرازي مواصلة الدعم الإيراني للنظام السوري في الوقت الذي شدد على رفضه «تدخل أي بلد أجنبي في الشؤون الداخلية السورية» وقال خرازي إن «المفاوضات الحالية في جنيف يجب أن تراعي حقوق الشعب والحكومة الشرعية السورية» مؤكدا رفض بلاده لأي نتائج تخالف ذلك.
ومن جهتها كشفت وكالة إيسنا الإيرانية أنه من المقرر أن يلقي خرازي خطابا صباح اليوم وسط عدد من القوات الإيرانية في مقام رقية في دمشق.
بدوره، کان مساعد وزیر الخارجیة الإيراني في الشؤون العربية والأفريقية، أمير عبد اللهيان قد احتج على حضور بعض الشخصيات في المعارضة السورية في مفاوضات جنيف. وكان خرازي وصل إلى بيروت الأربعاء الماضي والتقى عددا من الشخصيات السياسية اللبنانية من بينهم رئيس الوزراء اللبناني سلام تمام ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، وبحث تعزيز العلاقات وأوضاع المنطقة مع اللبنانيين قبل التوجه إلى دمشق.
من جهة ثانية وعلى الرغم من دخول الهدنة في سوريا يومها الثاني والعشرين واستمرار المفاوضات في جنيف بين وفدي النظام والمعارضة، على وقع سحب روسيا قطعها العسكرية من الأراضي السورية، فإن الأطراف المعنية بالأزمة الإنسانية من ناشطين ومنظمات دولية لم يلحظوا إلا انفراجات متواضعة على مستوى الخطوات العملية للتخفيف من معاناة أهالي المناطق المحاصرة من خلال إيصال جزئي للمساعدات في ظل امتناع النظام عن فك الحصار الكلي والإفراج عن المعتقلين وخصوصا من النساء والأطفال.
ولقد كشفت الأمم المتحدة أخيرا أن حكومة النظام السوري لا تزال ترفض توصيل المساعدات لست بلدات محاصرة وتعرقل تقديم الرعاية الصحية للمحتاجين.
إلا أن رئيس دائرة العمليات في قيادة الأركان العامة الروسية، سيرغي رودسكوي، أفاد بأنه بفضل الحوار السلمي أصبح من الممكن تنظيم عملية إيصال المساعدات الإنسانية إلى البلدات السورية، التي كانت تحت سيطرة مسلحي «المعارضة المعتدلة»، مشيرًا إلى أن أكثر من مائة بلدة حصلت على المساعدات.
المتحدث باسم الصليب الأحمر الدولي في سوريا باول كرزيسياك وصف الوضع الإنساني الحالي بـ«القاسي على الشعب السوري»، لافتا إلى أنّه و«على الرغم من أن الهدنة لا تزال مستمرة، إلا أن هناك مناطق كحلب على سبيل المثال التي لا تزال تشهد عمليات قتالية، حيث الوضع هش».
وقال كرزيسياك لـ«الشرق الأوسط» إنهم يعملون لإدخال المعونات وإغاثة مناطق كانت تشهد أعمالاً قتالية منذ فترة ليست ببعيدة كدرعا وحلب. وأضاف: «نحن جاهزون لتوفير المساعدة اللازمة في ظل استمرار الهدنة أو عدمها وأينما دعت الحاجة، حتى ولو كان ذلك في مناطق لا تزال تشهد أعمال عنف».
من جهتها، قالت جيهان بسيسو، مسؤولة المكتب الإعلامي لمنظمة «أطباء بلا حدود» في بيروت لـ«الشرق الأوسط» إنّه مع النظر إلى دخول القوافل إلى المناطق المحاصرة على أنه «مؤشر إيجابي»، «إلا أننا قلقون من رفض إجلاء المرضى ومنع دخول المواد الطبية المنقذة للحياة وإزالتها من القوافل الداخلة إلى المناطق المذكورة».
وأوضحت بسيسو أن «المواد التي ما زال يمنع إدخالها في القوافل الإنسانية تتضمن الأدوات الجراحية والمضادات الحيوية والأدوية لمعالجة الأمراض المزمنة»، لافتة إلى أنه «يتم أيضًا إزالة المعدات الخاصة بالولادة القيصرية من القوافل، مما يضع النساء اللواتي يحتجن إلى الجراحة في المناطق المحاصرة في خطر».
وأضافت: «على سبيل المثال، من بين الشاحنات الـ55 التي تم توصيلها من قبل القوافل الإنسانية إلى المناطق المحاصرة في معضمية الشام، كانت شاحنة واحدة فقط مخصصة للإمدادات الطبية. وهذا غير كافٍ أبدًا»
كذلك لفتت بسيسو إلى أنّه «بالنتيجة لا يمكن للمرافق الطبية والشبكات المدعومة من قبل منظمة أطباء بلا حدود الاعتماد على هذه القوافل لتقديم الرعاية الأساسية المستدامة». وقالت: «لهذه الأسباب تعبر منظمة أطباء بلا حدود عن قلقها من ألا يكون للقوافل تأثير كبير في خفض أعداد الوفيات في المناطق المحاصرة».
هذا، وشهدت مناطق الزبداني مضايا وبقين الخاضعة لسيطرة المعارضة في ريف دمشق الغربي، والمحاصرة من قبل القوات النظامية منذ نحو عشرة أشهر كما بلدتي كفريا والفوعة الخاضعتين لسيطرة النظام واللتين تحاصرهما المعارضة بريف محافظة إدلب آخر عملية إدخال مساعدات، إذ أفيد يوم الجمعة عن توزيع نحو 8 آلاف سلة غذائية على مناطق ريف دمشق الغربي فيما وزعت نحو 4 آلاف سلة في البلدتين السابق ذكرهما في ريف إدلب.
وقال محمد الشامي، الناشط وعضو الهيئة الطبية في مضايا إنّها المرة الرابعة التي تدخل فيها المساعدات إلى البلدة منذ فرض الحصار عليها، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الشاحنات التي دخلت حملت مواد غذائية وطبية.
وأشار الشامي إلى أنّه وعلى الرغم من الهدنة المستمرة منذ 22 يوما إلا أن الحصار على مضايا لا يزال محكما ويمنع على أي شخص الخروج أو الدخول إليها. وأضاف: «قد تكون المساعدات اليوم متاحة إلا أن الأمراض لا تزال منتشرة وأبرزها الانتفاخ في البطن نتيجة نقص البروتين والفيتامينات جراء الغياب الكامل للثروة الحيوانية».
من جانبه، قال مصدر في «الهيئة الإغاثية الموحدة في مضايا والزبداني» المعارضة، في حديث مع «مكتب أخبار سوريا»، إن المسؤولين عن تحضير المساعدات وإدخالها قاموا بسحب جميع علب «سمك التونة» من نحو 3200 حصة غذائية من الحصص التي أدخلت، فيما لم يجد الأهالي سوى علبة واحدة في نحو ألف سلة، مؤكدا أن هذا الأمر «خطير جدا»، كون هذه المادة من أهم المواد لعلاج داء نقص البروتين في جسم الإنسان، والذي ينتشر في الدول الفقيرة، وظهر مؤخرا في مضايا ولا سيما بين الأطفال.
وأشار المصدر إلى أن الهيئة وزعت نحو 7800 كرتونة أغذية مرفقة بكمية من المنظفات في مضايا وبقين، و200 في الزبداني، كما وزعت 2200 صندوق من فول الصويا، مشددًا على أن الأمر تم ضمن أولويات محددة، تراعي العائلات الأشد فقرا والأكثر عددا، وذلك بمساعدة الفعاليات المنضوية في الهيئة، بما يحقق العدالة والمساواة والتوزيع، على حد تعبيره.
وتحتوي كل سلة غذائية على خمسة كيلوغرامات من كل من الأرز والبرغل والسكر، واثنين كلغ فاصوليا بيضاء، وكيلو واحد عدس أسود، وكيلو سمن نباتي، ولترين زيت، و900 غرام شاي، و830 غرام صلصة طماطم، وخمسة علب تونة.
يُذكر أن الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري أدخلا عبر الحواجز النظامية الخميس 34 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية إلى مضايا وبقين وثلاث شاحنات إلى الزبداني، كما أدخلا، عبر المناطق التي يسيطر عليها جيش الفتح المعارض، 24 شاحنة محملة بمواد غذائية وطبية ومواد تنظيف إلى كفريا والفوعة بريف إدلب.
الشرق الاوسط