أنصت لوكالات الأنباء فوجد أكثرها تصب عليه اللعنات لأنه قتل شعبه وشرده وألقى عليهم البراميل المتفجرة ودمر المستشفيات والمدارس وأماكن إيواء اللاجئين.
• ظل يقلب القنوات الفضائية ويتأمل الصحف فى العالم فوجد أكثرها تتحدث عن مذابحه وخاصة حلب.
• ازداد همه وغمه، تذكر أيام شبابه وهو يدرس زمالة العيون فى بريطانيا، آه ماذا لو تفرغ للطب وخدمة الناس، آه لو كان شقيقه باسل لم يمت فجأة بحادث سيارة، ماذا لو لم يختره والده لخلافته دون ترتيب.
• باسل كان ضابطا ومهيئا لمشاكل الحكم والسياسة التى لا تنتهى فى سوريا، آه لو استطعت الفكاك بنفسى وأسرتى من هذا الجحيم لأعيش لاجئا فى أى بلد حليف ومعى أموال طائلة.
• أعاد التفكير فى الأمر، خشى أن تتسرب الفكرة من رأسه فيقتله أتباعه وحراسه، كاد أن يجن من كثرة التفكير، جفاه النوم، لم يجد بدا من احتساء كئوس من الخمر لعلها تنسيه همه.
• لم تفلح الخمر فى جلب النعاس إلى جفونه، تناول حبات من المهدئات ومضادات الاكتئاب التى يتناولها منذ اعتلائه سدة الحكم فى سوريا، أخيرا غلبه النعاس فرأى أباه يلكزه بقدمه موبخا:
• هل تريد أن تترك الحكم بعد أن بذلت عمرى لأسوقه سوقا إليك رغم أنف الجميع، أنسيت أننى غيرت لك الدستور ليكون عمر الرئيس مطابقا لعمرك حتى وقع أتباعى فى حرج عالمى وهم يجعلون عمر الرئيس لا يقل عن 34 عاما فى أول سابقة فى العالم.
• هل نسيت أننى أحضرتك من بريطانيا وأدخلتك كلية القادة والأركان السورية رغم أنك لم تدرس العسكرية من قبل، لتحصل على الماجستير دون البكالوريوس، وتحصل لأول مرة فى تاريخ سوريا على 100% فى كلية القادة والأركان وتكون الأول على أفضل ضباط سوريا.
• هل نسيت أننى أعطيت جميع من حولى وحولك أعظم الرشاوى لتصبح رئيسا ثم تأتى الآن لتفكر فى ترك الحكم الذى تعبت كثيرا لكى يصل إليك.
• ارتعد بشار من منظر أبيه الغاضب: ولكن يا أبى لقد قتلت مئات الآلاف من السوريين وتحول عدة ملايين منهم إلى لاجئين ومشردين، وسجنت وعذبت الآلاف، ورغم ذلك لم يستقر الحكم لى، وها هى إيران بذلت كل شىء من أجلى دون جدوى، ولولا المساندة العسكرية الروسية لما بقيت حتى الآن.
• هل نسيت يا أبى أننى وأسرتى نعيش فى إحدى السفن العسكرية الأجنبية بعيدا عن دمشق، يا أبت لقد تعبت من الحكم، أنا يا أبت ظروفى تختلف تماما عن ظروفك.
• نهره الأب ساخرا منه: لقد كانت ظروفى صعبة وسيئة، ولكننى دست على قلبى وكل شىء حتى يستقر الحكم لى، فالسلطة لا تعترف بالمشاعر والحلال والحرام والأديان، لقد دست بقدمى على كل شىء ليصل الحكم إليك مستقرا.
• نظر بشار إلى أبيه قائلا: ماذا أفعل لكى يستقر الحكم لى بعد أن دمرت سوريا فوق رءوس ساكنيها، والجميع يعايرنى بالمثل القديم”سيما الإمارة ولو على الحجارة”.
• زجره الأب مرة أخرى: أبناء الأسد لابد أن يظلوا أسودا على كل مخالفيهم ومعارضيهم الأوباش، فعندما حاول البعض اغتيالى فى بدايات عام 1980 جعلت كل من يعارضنى يكره اليوم الذى ولد فيه.
• هل نسيت كيف أدبت منطقة جسر الشغور سنة 1980 التى كان يسكنها بعض الذين حاولوا اغتيالى، لقد دخلتها بالدبابات وأخرجت النساء والأطفال والشباب وقتلت 97 رجلا وطفلا وامرأة أمام جميع السكان حتى لا يفكر أحد بعد ذلك فى معارضتى.
• وهل نسيت ما فعلته فى “سجن تدمر” سنة 1980 حينما حاول بعض السجناء التمرد فاقتحمت السجن بالمدرعات وقتلت ألف معتقل وسجين، لكى يعرفوا نوعية الحاكم الذى يتعامل معهم.
• وهل نسيت أننى لم تهزنى تقارير الأمم المتحدة ولا تلك المنظمة الفاسدة هيومان رايتس ووتش التى وثقت 7 مجازر أخرى فى سجن تدمر ما بين عامى سنة 1980، سنة 1982، لقد قام شقيقى رفعت الأسد بهذه المجازر بواسطة كتائبه.
• ولكنك يا أبى طردت عمى رفعت الأسد، قالها بشار فى انكسار.
• طبعا لابد أن أطرده لأنه ظن أننى أفعل ذلك ليخلفنى فى الحكم.. كلا.. الحكم لأولادى فقط و”من يعترض ينطرد” ولولا أنه شقيقى لنكلت به.
• قال بشار: ولكنك فضحت يا أبى فى العالم بعد موتك، فقد كتب الكثيرون عن مذابح سجن تدمر، فقد حكى الكاتب اللبنانى “على أبو دهن” كل قصص الهوان والعذاب والمذابح هناك فى كتابه “هارب من جهنم” وكتب عنه كذلك د/البراء سراج كتابا أسماه “من تدمر إلى هارفارد” وهذا الكتاب قرأه الغرب جميعا، وكتب آخرون، وهذا كله مثل حرجا كبيرا لى ولأسرتى بعد موتك.
• سخر منه الأب: السلطة لا تعرف الحرج ولا الخوف ولا الدين ولا الأخلاق، هل نسيت أن المأمون قتل أخاه الأمين، والحجاج قصف الكعبة بالمنجنيق، وذبح عبدالله بن الزبير ابن حوارى الرسول، السلطة لا تعرف الرحمة ولا الشفقة، والآن أراك تكاد تبكى كالنساء وتريد أن تعتزل الحكم من أجل حلب، خذها حكمة منى: حلب وحماة ومناطق السنة هذه ملعونة.
• لقد قتلت من عوام الناس فى حلب 192 سوريا 1980، وفى نفس العام قتلت فى حى المشارقة 86 كان منهم أطفال كثيرون، أطفالهم لعنة مثلهم صدقنى يا ابنى، أما حينما تمردوا على وحاولوا احتلال حماة سنة 1982 تمهيدا للاستيلاء على السلطة أعطيتهم درسا لم ينسوه أبدا حتى قامت الثورات التى أسموها الربيع العربى.
• لقد قصفت حماة بالدبابات والمدرعات والطيران والمدفعية وتركتها حطاما وخلفت ورائى 40 ألف قتيل، واعتقلت 60 ألفا، وهرب منى إلى الخارج 100 ألف، وهدمت فوق رءوس هؤلاء الشياطين 88 مسجدا و3 كنائس.
• يا بشار يا ابنى أنت ما زلت تمزح مع شعبك ومعارضيك، هل نسيت قوتى وبأسى فى تل الزعتر حيث أعطيت الفلسطينيين درسا لم ينسوه أبدا وجعلتهم يأكلون الميتة والقطط والكلاب ويشربون بولهم، ولم يهمنى الشاعر المصرى اللى اسمه ” فاروق جويدة” اللى عمل قصيدة “ملعون يا سيف أخى” هؤلاء الشعراء والكتاب حالمون لا يعرفون شيئا عن الواقع والحكم، ولو عندى أمثال هذا الشاعر لسجنته على هذه القصيدة.
• انتفض بشار مذعورا وقرر البقاء حتى آخر لحظة من عمره
الشروق