تحمل سارة لوحتها التي رسمتها بكل فخر وتتجه مع صديقاتها إلى غرفة المعرض ليرتبن رسوماتهن ويضعن لمساتهن الأخيرة بإشراف معلماتهن، فقد كانت الفرحة تملأ قلوبهن وتبدو من خلال نظراتهن البريئة وحرصهن على أن يكون معرض رسوماتهن هو الأجمل ويستحوذ على إعجاب زائريه.
تم إعداد المعرض بمشاركة طالبات من مدرستين في مدينة إدلب وذلك بالتنسيق مع الإدارة، لتبدأ التحضيرات له ويبدأ معها حماسهن واستعدادهن لطرح أفكار جديدة وتقديم رسائل مختلفة منها الاجتماعي ومنها الإنساني ومنها الخدمي والصحي ذلك من خلال الرسومات وبعض الأشغال اليدوية الأخرى.
تحدثنا رانيا معلمة الرسم في المدرسة عن المعرض وهي منشغلة بإلصاق الرسومات على الحائط بمساعدة الطالبات لتبدو وكأنها لوحات في معرض فني كبير، تقول:” كان الهدف الأول من هذا المعرض المتواضع إبعاد الطالبات عن جو الحرب – فالضغط النفسي الذي يتعرضن له يومياً سبّب لهن ولجميع الأطفال نوعا من القلق النفسي والخوف – بالإضافة لنشر روح التعاون والمحبة والألفة بين الطالبات عبر العمل الجماعي الذي يساهم في تعزيز ثقتهن بأنفسهن وفرصة لخلق نوع من التنافس الإيجابي بينهن ليكون المعرض بالنهاية ببصمة طفولية وبأفكار إبداعية”.
ضم المعرض أكثر من 200 لوحة، ومعظمها تناولت أضرار التدخين وتسوس الأسنان والطبيعة، وبإمكانيات بسيطة باستخدام الورق والألوان الشمعية والمائية والقطن الملون، تحدثنا سارة عن لوحتها بعد افتتاح المعرض وقدوم طالبات من المدرسة الثانية المشاركة فيه، وهي تنظر إليها بإعجاب :” أحب والدي كثيراً، وإنني أخاف عليه من مضار التدخين، فحاولت أن أرسم جسد الإنسان على شكل سيجارة وكيف أنها تمتص طاقته، وتحترق وتحرقه معها، وأهديت رسمتي له لتكون دافعاً له ليتركه ويحافظ على صحته”.
أما رند فقد استخدمت الورق الملون لتصنع به عصافير ملونة وقد علقتها على الجدار بعناية، وتنظر إليها وتتحدث معها وكأنها تغرد ألحان الحرية والسلام وتقول:” عصافيري الجميلة ستقهر طائرات النظام وتعلمها أننا لن نستسلم لغاراتها التي تقتل براءتنا وطفولتنا وحتى أحلامنا، فسماء الوطن تتسع للجميع، وسننتصر عاجلا أم آجلا”.
بعد أكثر من عام على تحرير مدينة إدلب، عادت الحياة إليها لتكتظ بسكانها الذين أبوا أن يتركوها، ومدارسها التي شرعت أبوابها لاستقبال طلابها شارفت على نهايتها، رغم أن النظام السوري بعد خسارته للمدينة دعا سكانها للالتحاق بمناطق النظام وروج لفكرة المسلحين أنهم سيغلقون المدارس كي ينتشر الجهل بين الطلاب، إلا أن أكاذيبهم باءت بالفشل، فقد شهدت مدارس المدينة إقبالا واضحا من الطلاب والتزاما من قبل الكوادر بالدوام والمناهج التعليمية.
تقول سارة بعد أن انتهى الدوام المدرسي :” تمنيت ألا ينتهي اليوم، فقد تعرفت على صديقات جدد من المدرسة المشاركة معنا، وتعلمت منهن أشياء كثيرة، ووعدتنا معلمتنا أن نقوم بنشاطات أخرى قبل نهاية العام، كم أتشوق لذلك!”.
بأفكار بسيطة ووسائل متواضعة استطعن أن يرسمن البسمة على وجوههن، وينسين معها كل عناء أو هم أثقل طفولتهن وحملهن ما يفوق طاقتهن، فتحدين بإصرارهن وتصميمهن كل من يريد العبث وتشويه تلك الطفولة.
سماح خالد ـ المركز الصحفي السوري