المركز الصحفي السوري
علي الحاج أحمد 16/3/2015
هي إحدى بلدات ريف حماة الشمالي تتبع لناحية كفرزيتا في منطقة محردة، تبعد عن مدينة حماة بحدود 35 كم، ويبلغ عدد سكانها بحدود 20 ألف نسمة، إنها بلدة اللطامنة، التي تعٌتبر من أولى البلدات التي ثارت على نظام الأسد، وانطلقت كالشرر مع انطلاق الثورة في ربيع 2011 فلقد عاصرت الثورة السورية منذ انطلاقتها، فشوارعها وأزقتها وبيوتها المهدمة تشهد على ذلك، وأيضاً تشهد على أكبر وأفظع المجازر التي ارتكبتها قوات النظام في البلدة.
في هذه البلدة يقيم “أبو أحمد” الذي رفض النزوح منها رغم القصف المستمر والمكثف عليها، فلا يكاد يخلو يوم دون استهداف هذه البلدة بالبراميل المتفجرة من قبل طيران الأسد المروحي، في 9/2/2015 جلس “أبو أحمد” مستنداً ظهره على الحائط وأمامه حقل القمح، الذي زرعه لإطعام عياله الخبز، بعد توقف الأفران، وراح يتأمل حقله الذي أصبح مصفر اللون لكثرة الأمطار، ويفكر كيف سوف يأمن السماد العضوي لهذا الحقل، فهو بحاجة ماسة إلى ثمانية أكياس من السماد اليوريا 46، وقد أصبح ثمن الكيس الواحد خمسة آلاف ليرة سورية، فهو بحاجة إلى أربعين ألف ليرة سورية ثمن هذا السماد، وهذا المبلغ كبير بالنسبة لأبو أحمد، يفكر أبو أحمد بعد حسابه هذا المبلغ أن يقترضه من جاره.
“الســـماد” مادة تُضاف للتربة من أجل مساعدة النبات على النمو، ولتأمين احتياجات المحصول من العناصر الغذائية لتحقيق مردود مجز اقتصادياً والمحافظة على خصوبة التربة ويَستخدم المزارعون عدة أنواع من الأسمدة لإنتاج محاصيل وفيرة، من هذه الأسمدة “سماد اليوريا 46” وهو عبارة عن حبيبات لؤلؤية بيضاء يتراوح قطرها مابين 2-3 ملليمتر ذات كثافة منخفضة تحتوي على نسبة 46% من الآزوت، ويبلغ وزن كيس السماد الواحد 50 كيلوغرام، كما أن “السماد” يدخل فى صناعة المتفجرات أيضاً بعد خلطه بمواد أخرى.
وبينما أبو أحمد مشغول بحساباته تقلع طائرة مروحية من مطار حماة، يعمم المرصد (المسؤول عن رصد تحركات النظام)، عن هذه الطائرة وينادي عبر جهاز لاسلكي الذي أصبح يقتنيه كل مواطن سوري ليأخذ خذره من القصف، ينادي المرصد “تحصن يابطل أقلع مروحي براميل من حماة باتجاه الشمال” ينهض أبو أحمد من مكانه ويتجه إلى بيته، يعمم المرصد مرة أخرى” بأن المروحي دخل أجواء اللطامنة”، يسرع أهالي البلدة للاختباء من شر ما تحمله تلك الطائرة، وصل أبوأحمد إلى البيت وينادي على زوجته وأولاده هيا تعالوا إلى المغارة، ألا تسمعون صوت المروحية، (المغارة: هي ملجئ صغير تحت الأرض وقام معظم سكان سورية بحفر المغارات في منازلهم للوقاية من القصف).
يجلس أبوأحمد مع زوجته وأولاده الثلاثة، في داخل المغارة يزداد ارتفاع صوت المروحية، تقول أم أحمد إن المروحية فوقنا مباشرة، في هذه الأثناء تلقي المروحية ثلاث براميل متتالية، يسمع أبو أحمد صوت أزيز البرميل وهو يهوي إلى الأرض، صوته يشبه صوت الطائرة الحربية، تصرخ أم أحمد وتحتضن أولادها في حضنها، الجميع يردد الله أكبر الله أكبر، تسقط البراميل الثلاثة بالقرب من منزل أبو أحمد تصطدم في الأرض وتنفجر تهتز جدران المغارة، انقجر برميلان والثالث لم ينفجر.
و”البرميل” هو عبارة عن عبوة مصنعة محليا وتتكون من برميل أو وعاء مستدير ممتلئ بالمواد المتفجرة (ت ن ت)، وتستخدم فيها كمية كبيرة من مادة السماد يوريا 46 لتتفاعل مع بقية المواد لكي يتضاعف حجم الإنفجار، كما تضاف إلى “البرميل” بعض المواد القابلة للتشظي كالخردة و قطع الحديد، والمسامير وشظايا حادة ويزود بفتيل مناسب أو صاعق، ولقد استخدم نظام الأسد هذا السلاح للمرة الأولى فى أواخر آب عام 2012، ولقد بلغ عدد البراميل التي ألقاها النظام على المناطق الخارجة عن سيطرته، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان 5150 برميل، تسبب بقتل عشرات الآلاف من المدنيين.
تغادر المروحية الأجواء، ويخرج الجميع من المغارة، وينظرون إلى البيت الحمد لله البيت لم يتأذى، يركض أبو أحمد باتجاه البرميل الذي لم ينفجر، يمحمد الله الحمد لله الحمد لله لا أصدق أكاد أطير من شدة الفرح، تقول له زوجته هلل جننت تفحرح لأننا قصفنا، يرد أبو أحمد ضاحكاً لا لم أجن ولكن الله قد رزقنا سماد للحقل، أم أحمد لم أفهم عليك، أبو أحمد بعد قليل سوف تفهمين كل شيء.
يسرع أبو أحمد إلي إحدى كتائب الثوار الموجودة في المنطقة، ويخبرهم بالحادثة، فيأتي معه مجموعة من الثوار من بينهم عنصر منشق عن قوات النظام كان يخدم في كتيبة الهندسة ولديه الخبرة في تفكيك المتفجرات، فيفكك البرميل بعد أن نزع الصاعق ويخرج من البرميل، أكثر من 300 كيلو غرام من مادة “السماد يوريا 46″، فيفرح أبو أحمد ويقول لزوجته هل فهمتي الآن، تجيب أم أحمد نعم الحمد لله لقد تأمن السماد للحقل.
يعيش سكان هذه البلدة في رعب بسبب البراميل المتفجرة، وتستهدف هذه البلدة بشكل كبير ويومي من قبل طيران النظام المروحي، وأن أي تحليق مروحي أو أي أزيز طائرة، يجعل كل المواطنين يعيشون حالة من الرعب، ويتخوفون من شر قد ينبأ عائلة ما بكارثة ومأساة كبيرة.
في اليوم الثاني بعد أن تمَّ تنقية السماد من الشظايا والخردة والمواد الغريبة، يقوم أبو أحمد بنثر السماد في الحقل، ويحسده كل سكان البلدة على هذا البرميل، ويتمنون أن يرزقهم الله كما رزق أبو أحمد.
ولقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، استمرار استخدام النظام السوري للبراميل المتفجرة، مما تسبب بمقتل آلاف المدنيين رغم القرار الأممي 2139 الصادر في 22 فبراير/ شباط 2014 الذي ينص على، “التوقف الفوري عن كافة الهجمات على المدنيين، ووضع حد للاستخدام العشوائي عديم التمييز للأسلحة في المناطق المأهولة، بما في ذلك القصف المدفعي والجوي، مثل استخدام القنابل البرميلية”.
ويستغرب أهالي سورية صمت المجتمع الدولي المريب، وعدم سعيه لوقف استخدام هذا السلاح المدمر والعشوائي، الذي يقتل المدنيين بالجملة بسبب قوة الانفجار الهائلة التي يحدثها.