كلمّا كتبتُ نصّاً أؤمن به يطير من بين أصابعي، كتبَ جاري تقريراً وقال فيه، “كان عائداً من صلاة الفجر_ اللهم صل على الحبيب_ رأيتُ سرب فراش يخرج من نافذته، فسجنتُ وقضيّتي المساس بهيبة الدولة، وكانت تهمتي مهرّب فراشات”.
مرّة وخلاف عادتي قلتُ سأكتب هذا النصّ على ورقةٍ خضراء، من أوراق الرسم التي حصلت عليها ابنتي في المدرسة لتفوّقها في الحساب، خبّأت النصّ الغافي في الورقة بين “فَرشات الصوف المطوّية” بانتظار “الضيوف الفجأة”، لم أستطع النوم، وأنا أراقب مصير نصّي الأخير الذي آمنت به، فمرّة أتظاهر لمَحمل الفِراش أنّي أتقلب، ومرّة أتظاهر أنّي أحلم، فأصيح “لَك انتبهو قذيفة من بلاد الياسمين”، ومرّة أضع كفّي على عيوني وأراقب من بين الخنصر والبنصر.
مع طلوع الفجر نهضت تلمست باطن “الفرشات المطويّة” فتحسست نعومة ورطوبة، ظننتها تسربت من المعجم اللغوي لصديقي الشاعر المليء بالطين والحبق، فتّشت جيداً لم أجد غير الرطوبة، رفعت الفِراش، فوجدت دودة قزّ تأكل الورقة وخيوط حرير ، وسقطت كما تقول مذيعة القناة الرسمية للبلاد ورقة التوت عن ديمقراطية الغرب ومواقف كثيرة جعلتني أصاب بجنون النصوص.
فأذكر مرّة كتبت نصّاً في جنيّة عفراء عشقت شاعراً، كعادة الشعراء يحبّون الخارج عن النصّ فعشق بدوره فتاةً دمشقيّة، أشبه بحلم، لمحتُ الياسمينة على يمين مسطبة بيته، تتزين بخدود حبيبته المنقوشة على حجر أوسط بوابة داره، نقلها من قصر الحير الشرقي، ذات أمسية في الرقّة، فتّشت عن ذلك النص لأفرح بلايك من جارة أختي التي أحبّت أنْ تتزوجني، ولم أجد سوى شاهدٍ واحد فبطل العقد.
ذات مساءٍ كان أخي يمسك جهاز التنقيب عن الآثار
فكما يقول الحلم رأس مال الفقير، أصدر صوتاّ عندما مرّره بالقرب من شجرة اللوز، المركونة خلف بيتنا، ككل الأشياء التي اعتاد الزمن ركنها، انشغلوا بأحلام كنزهم واستفردت باللوز الأخضر، وضعت حبّة في فمي، فعلقت إشارة تعجّب في ضرسي المنخور، وحين صرخوا منزعجين من ضحكتي ظانين على خيبتهم إذ لم يجدوا سوى “سطل حبق”.
كعادتي في أيام الأعياد أحب سماع التكبيرات، خطر لي أن أكتب نصّا أنشره في صفحتي “فيسبوك” بمناسبة العيد، كجارنا الذي تمنى موت اليهود والنصارى المغضوب عليهم والضّالين، وقال أن الشيوعية دين إلحاد، والماصونية، هكذا بالصاد، انشقّت عن السامرّائي صاحب العجل، لم أجد ما أكتبه، حاولت المجاز لم أوفق، فقلت سأكتب عن أحد أصدقائي أو أي شخص، فتحت قائمة جهات الاتصال في هاتفي، فتحت اسم أحدهم فاحت رائحة الشامبو والصابون الغار الحلبيّ، لم أوفق معه في نص، فتحت اسماً آخرا كان يعمل حدّادا، كتبت سطرين عن كأس التوتياء الذي ضيفني به شاي ذات مرّة، وكان للشاي نكهة إطار باص الهوب هوب، كتبت سطرين ولم أوفق أيضاً، ففتحت اسم مدير مدرستي، حيث نقلني إلى الصفّ السادس، نظراً لتراكم سنوات الرسوب، هربت قبل أن يمسكني في حديث لا نهاية له، عن حرمانية الوقوف مع أوكرانيا ضد روسيا، ويختتم باللهم دمّر الكافرين، وعن آرائه في بناء الدول، والفرق بين التأبير والتطعيم.
مرّ اسم شقيقي الصغير، تجاوزته إلى رقم فتاة حلبيّة، تختصر المتنبي وسيف الدولة والمعرّي، وسينية البحتري بقولها بأن حلب أم المحاشي والكبب، للأمانة كبّتها تشبه طعام صيصان العيد الملوّنة، فبرغل مسلوق يعلق في سقف الحلق، عدت إلى رقم شقيقي الصغير أفتح معه حديثاً عن إمكانيّة المسح على الجوربين اللحميين، كجوارب سميرة توفيق في أغنية “بالله صبّوا هالقهوة”.
فتحت رقمه، بكيت كثيرا كثيرا، عندما شاهدت أمّي تخيّط فرشة الصوف للضيوف الفجأة بخيط الحرير، وتسقي سطل الحبق المركون على زاوية شاهدة قبرها في المنفى، حين كانت تحلم، أن تدفن بجوار شجرة اللوز، لكنّنا مسسنا هيبة الدولة، بسرب فراش أبيض، فاقتلعت جذورنا دولتنا العظيمة.
أدبيات/ عادل الأحمد