موقع اتحاد الديمقراطيين السوريين
استقبل السوريون الشتاء الرابع في مخيمات اللجوء, وعلى مدار هذه الأعوام ذاقوا شتى أنواع المآسي, والمعاناة, ولعل مخيمات الداخل كان لها النصيب الأكبر, عن مثيلاتها خارج الحدود, نتيجة نقص الخدمات, والاحتياجات الأساسية.
ومع بداية شتاء (2013) م, دارت معارك عنيفة على استراد حلب اللاذقية, بين الجيش الحر, وقوات النظام, انتهت بسيطرت الأخير على الطريق, وتهجير عشرات القرى حوله بعد قصفها بالمدفعية الثقيلة, والبراميل المتفجرة, وراجمات الصواريخ, وكان أبرزها قرى “عين الحمرا – سلة الزهور-تل حمكي” لتبقى عشرات العائلات مشردة بلا مأوى, تفترش الأرض وتلتحف السماء, منهم من اسطاع الوصول لتركيا ومنهم من وجد خيمةً بتمجع المخيمات في أطمة على الحدود السورية التركية, والبعض الآخر آثر البقاء بالقرب من قراهم فوجدوا من منطقة “حمام الشيخ عيسى” التي يمرعبرها “نهر العاصي” بريف جسر الشغور مأوىً آمناً نسبياً لهم من بطش قوات النظام, وملاذاً من براميله التي هجرتهم من قراهم.
نصبوا خيمهم على ضفتي النهر بعجل, دون الاكتراث, أو التفكير من تبعات الأمر, حيث بلغ عددها آنذاك حوالي (90) خيمة قماشية, تبرعت بها إحدى الجمعيات الخيرية, وقضوا عامهم الأول فيها, وعانوا ما عانوه من نقص بكل متطلبات الحياة, و الخدمات, ولعل تأخر الأمطار حينها كان من حظهم, وتخليصهم من هاجس فيضان النهر.
بدأ شتاء هذا العام (2014), وعمت الأمطارالغزيرة أرجاء محافظة إدلب, وأدت الى فيضانات, وسيول جارفة في بعض المناطق, وأخذ منسوب مياه نهر العاصي بالإرتفاع, وارتفعت معه مخاوف قاطنيه من الفيضان, الذي سيجرف خيمهم, فيما لو استمر هطول الأمطار بهذه الكميات.
“محمود الياسين” أحد سكان المخيم تحدث عن وضع المخيم, وما آل له حال سكانه هذا العام :
“مع بداية هطول الأمطار بدأ منسوب مياه النهر بالإرتفاع, وأصبحنا مهددين برحلة نزوح ثانية, ونحن بالأصل مهجرين من قرانا بفعل قصف براميل النظام, وصواريخه, والعام الماضي لم تواجهنا هذه المشكلة أبداً, بسبب انقطاع الأمطار عن المنطقة, وبقي منسوب النهر منخفضاً طيلة الشتاء, وفكرنا بإيجاد حلول إسعافية للوضع بوضع سواتر ترابية, لكن لصعوبة المنطقة وطبيعتها الجغرافية, كونها تقع بين جبلين, حالت دون قدرة الآليات التي ستقوم بالعمل الوصل للمنطقة” .
في عرض النهر, بالقرب من المخيم, تجمعت النفايات والحشائش, وشكلت حاجزاً أعاق جريان المياه, ومن أهم تلك الحشائش “زهرة النيل” التي تنمو, وتتكاثر بشكل سريع لتشكل مستعمرات كبيرة, تحجز كميات ضخمة من الماء خلفها, بعض الصبية من المخيم أخذوا على عاتقهم إزالتها علُهم بذلك يحلون جزءاً من المشكلة.
ارتفاع مياه النهر كان مأساة جديدة يعيشها النازحون في المخيم, تضاف إلى العديد من المشاكل والمصاعب, كانتشار الأمراض نتيجة البرد الشديد, وتلوث مياه النبع, الذي اختلطت مياهه بمياه نهر العاصي الملوثة، ومشكلة الخيم التي لم تعد قادرة على دفع مياه, وبرودة الشتاء.
وأوضح “سليمان العزو” النازح من قرية عين الحمرا أن سكان المخيم يعيشون أقسى درجات الحرمان قائلاً :
“يقتقر مخيمنا لأبسط مقومات الحياة والخدمات الضرورية كعدم توفر الصرف الصحي وانتشار القمامة بين الخيم, والمياه الملوثة التي نشربها, حيث لاتوجد إلا مياه نبع واحد بالقرب من النهر, وعندما ارتفع منسوب المياه في النهر, اختلطت معها, ونحن حالياً بحاجة ماسة لتبديل الخيم, فخيمنا أصبحت قديمة ومهترئة وأتتنا الكثير من الوعود من المنظمات والجمعيات الخيرية بتأمين حاجتنا من الخيم الجديدة, ولكن كانت جميعها بمهب الريح ولم تصلنا أي خيمة لحد الآن” .
ويضيف العزو : “أما من الناحية الطبية هناك فرق طبية جوَالة, تأتي بين الحين, والآخر تقوم بإعطاء اللقاحات للأطفال, ومعاينة المرضى من خلال عيادات يشرف عليها أطباء, ويوزعون بعض الأدوية بالمجان, ولكن إن حصل مكروه لأحد سكان المخيم لايوجد لدينا نقطة طبية ثابتة,وأقرب مشفى يبعد حوالي (15) كم تقريبا”.
ويعتبر مخيم حمام الشيخ عيسى أكبر مخيم بمنطقة جسر الشغور, وأقربها لمناطق سيطرة قوات النظام, الذي حاول مراراً استهداف المخيم بالبرميل المتفجرة من الطيران المروحي, وحسب آخر إحصائية من إدارة المخيم التي تقوم على تسيير أموره بلغ عدد الخيم (140) خيمة وعدد القاطنين به 700 شخص بينهم (110) أطفال دون سن السادسة .
في ظل هذا الوضع الإنساني الصعب, ونقصٍ بكل مايبقي الإنسان على قيد الحياة, لايجد سكان المخيم سبيلاً إلا انتظار قدرهم, ومايحمله من مفاجاءات في قادم الأيام .