أي بسمة تلاشت وأي طفولة اندثرت في ظلام الليل؟!
كم من طفل يتم وكم من جرح لملم من جروف السيل؟!
يحكى أنه كان هناك قبل اندلاع الحرب عالم وردي يسمى الطفولة، يعيش في كنفه أطفال سوريا دون ألم أو خوف من طائرة تختطفهم من حضن أمهاتهم، تسرق منهم ربيع حياتهم.
“عبدالباسط” ذلك الطفل الصغير الذي اغتالت الحرب بريق الحياة من عينيه، غادر مع عائلته قريته بريف حماه الشمالي باتجاه قرى محافظة إدلب خوفا من بطش الطيران الحربي، بحثا عن الأمن والأمان الذي بات عملتا نادرة في ظل ما تعانيه سوريا من أحداث.
ولكن قدره المحتوم فرض عليه أن يستيقظ كل صباح ليفتح عينيه على واقع مرير لم يعد بالمقدور تغييره، فبعد نزوح عبد الباسط إلى قرية “الهبيط” بريف إدلب الجنوبي، شن الطيران الحربي يوم الخميس الموافق 16/2/2017 غارات مكثفة على قرية الهبيط أودت بحياة والدته وشقيقته، حرمته من حنان الأم كما حرمته من اللعب أو الركض مجددا، سرقت منه ساقيه، تركته حالما في أمل العودة للجريّ من جديد.
يروي لنا عبد الباسط ما جرى بعينين غادرتها روح الطفولة بلا رجعة وكأنه الآن أمامنا يافعاً في مقتبل العمر تملؤ وجهه نظرات القسوة الممزوجة بالألم : كنت في ذلك الوقت العب مع باقي الأطفال في الحي، بالرغم من الغارات الجوية التي يشنها الطيران آنذاك إلا أنه لم يكن بمقدوره منعنا من اللعب، لعبنا وركضنا نناظر بأعيننا الطيران الحربي ونقول (نفذ ..نفذ .. الله أكبر)، وسمعنا صوت الطيران المروحي يهدر صوت البرميل بشكل أكبر يتعالى صوته أكثر، فأكثر ركضت إلى المنزل مسرعا لاختبأ وراء جدرانه، سمعت أمي تناديني ( يا عبدو وينك تعا لهون يا ماما ) قلت لها (لا تخافي .. لا تخافي أنا هون يامو )، كانت آخر مناداة أسمعها من أمي قبل أن ينفذ الطيران غارته فوق منزلنا، كل شيء تغير بين لحظة وضحاها.. وجدت نفسي مرميا تحت الركام ملطخ بالدماء حاولت النهوض فوجدت نفسي بلا قدمين، سمعت صوت أبي يناديني .. يقترب أكثر، ناديته : ( يا بابا أنا هون شيلني)، استنجدت بأبي الذي يقف مذعورا من رؤيتي ومن هول ما حل بي، ناديته وناديته .. وأبي واقف دون حراك لا يدري ما يفعل.
ووجدت نفسي بعدها في المشفى، فتحت عيني لأشاهد واقعي الجديد دون أم .. دون أخت .. دون ساقين بلا حراك.
وبعينين مليئتين بالشرار يختم عبد الباسط حديثه قائلا: سأبقى ما حييت ناقماً ثائراً على من حاول إطفاء شعلة الحياة في قلبي وسيبقى قلبي يزهر رغم اعاقتي.
محمد العلي _ مجلة الحدث