بإمكانات بسيطة وروح حماسية عالية وإخلاص وإصرار وتصميم، استطاع الشاب السوري موفق الزهوري إعادة البسمة لمنكوبي مخيمات عرسال، عبر تسخير خبراته كرياضي سابق، بإقامة نشاطات رياضية ومسابقات للجرحى المنسيين و”أطفال الشهداء”، أعادت البسمة لوجوههم وجعلتهم يشعرون بأن هنالك من يقدّر تضحياتهم، ولا يزال يذكرهم بعد أن أصبحوا مجرد أرقام في خيام النزوح.
يقول أبو عبد الله وهو أحد المصابين في عرسال: “لم أكن أتخيل يوماً أنني سأستطيع لعب كرة القدم في حياتي مجدداً بعد الإصابة في قدمي منذ عامين، والتي جعلتني أكاد لا أستطيع السير عليها، ولكنني في قمة السعادة بمشاركتي في المباراة التي باتت تقام بشكل متكرر للجرحى في عرسال؛ لدرجة أنها جعلت في حياتي شيئاً أنتظره بفارغ الصبر، وجعلتني أكوّن علاقات اجتماعية جديدة مع من تعرفت عليهم من جرحى المنطقة، وباتت هذه المسابقات حديثنا اليومي بدلاً من هموم الإعاقة في خيام النزوح”.
موفق الزهوري من عائلة معروفة في بلدة القصير بريف حمص، وهَبَت نفسها للثورة وقدمت الفنان العالمي مهيد الزهوري والشهيد طراد الزهوري المصور المرافق للناشط الإعلامي المعروف هادي العبد الله، واللذين قتلا برصاص قوات الأسد، ولكن ذلك لم يمنعه من استكمال درب ثورته ولكن بطريقة إنسانية هذه المرة، وذلك بالرغم من إصابته السابقة في معارك القصير ومشقة الحياة بسبب إقامته مع عائلته وأطفاله في خيام النزوح.
– مسابقات للجرحى
يقول موفق الزهوري: “كنتُ مصاباً وعشتُ معاناة الإصابة والإهمال؛ فلذلك أخذت على عاتقي عهداً بإعادة البسمة لوجوه الجرحى المنسيين في عرسال بالإمكانات البسيطة التي أمتلكها”.
ويرى أن “إيصال السعادة لقلوبهم لا يحتاج كل هذا الدعم والجمعيات التي تعمل باسمهم، ومن ثم لا يصلهم ما يكفي لتغيير واقع حياتهم السيئ، بل لا بد من العمل بجدّ لإشعارهم بأن هنالك من لا يزال يكترث لهم ويقدر تضحياتهم، ويشعرهم بأنهم لا يزالون موجودين ولهم دور في هذا المجتمع بالرغم من ظروف النزوح”.
ويضيف الزهوري أنه منذ قرابة عام ونصف العام فرّغ معظم وقته لإقامة النشاطات الرياضية للجرحى، والمسابقات التي يكون فيها بعض الجوائز العينية، والتي يكون الهدف الأكبر منها هو إخراج الجرحى من خيامهم وخلق جو من التحدي فيما بينهم؛ ممّا يجعلهم يعودون للانخراط في الحياة الاجتماعية مجدداً، وتشعرهم بأن الإصابة لا تعني توقف الحياة، وأنه لا يزال بإمكانهم العطاء بالرغم من كل الظروف.
– اهتمام بأطفال الشهداء
ولفت الزهوري إلى عنايته الخاصة بـ”أبناء الشهداء”؛ إذ أشار إلى أنه يقيم المسابقات والبطولات الرياضية “التي تجعلهم يعيشون في جو اجتماعي إيجابي فيما بينهم ومع باقي الأطفال، ويشغلون وقتهم بمسابقات تنمي أجسادهم وأفكارهم، وتعوضهم عن جزء بسيط من الفراغ العاطفي الذي يعيشونه بفقدان آبائهم، هذا أقل ما يمكن تقديمه لهؤلاء الأطفال تقديراً لتضحية والديهم، وإخلاصاً لهم حتى بعد استشهادهم”.
وحول الألعاب والأنشطة التي ينظمها، ذكر أنه “يقيم نشاطات متعددة للأطفال الأيتام؛ كرياضة شد الحبل والتي تعودهم على العمل كفريق، وتحدي الوثب بأكياس الرمل، ومباريات كرة القدم، بالإضافة إلى تعليمهم العديد من الألعاب الجديدة التي تنمي مهاراتهم ولياقتهم كالملاكمة والكرة الطائرة”.
واعتبر الزهوري أن البسمة التي تدخل قلوب الأطفال من خلال حماسهم للمشاركة في هذه الألعاب بشكل يومي هي “كنز ثمين”، لم تستطع معظم الجهات الداعمة تقديمه لهؤلاء الأطفال، فليس كل ما يحتاجونه سلالاً غذائية وملابس، “فهنالك فراغ بحياتهم لم يكن يملؤه إلا الأب، ولا يمكن شراءه بالمال، ولكن يمكن تقديمه بالعزيمة والإخلاص المستمرين”.