ساعات عصيبة وقاسية مرت على الأتراك، غير أنها كانت على السوريين بلون آخر، وطعم مختلف، يصعب على المرء إيجاد التعبير الدقيق، لا سيما مئات الآلاف من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا.
بعد الحادية عشر ليلاً، من مساء الجمعة 15 تموز 2016، حدث ما لم يكن بالحسبان، إذ نفّذ مجموعة من الضباط انقلاباً عسكرياً، على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلا أنه انقلاب على الشرعية، والديمقراطية في تركيا.
فشل الانقلاب.. ولكنه يومٌ سيذكره اللاجئون السوريون طويلاً ، وهم الذين خبروا وعرفوا ردّات الفعل لأي حدث يحل على الأرض التركية عليهم، مهما كان صغيراً، فكيف إذا كان “الحدث” بمثابة انقلاب عسكري يطيح بجميع السياسات والحريات والمؤسسات الثابتة والمترسخة على مدار خمسة عشر عاماً… انقلاباً على الشخصيات التي أسستها وأنشأتها وعملت على ترسيخها وحمايتها والارتقاء بها، وكان السوريون جزءاً لا يتجزأ من سياقاتها وأبعادها.
عاش السوريون على مدار خمسة أعوام في تركيا، كادت الخدمات التي حصلوا عليها، تساوي حقوق الأتراك في أكثر جوانبها، من الطبابة والتعليم المجاني، إلى حرية التنقل والحركة، وافتتاح الجمعيات والمراكز الثقافية والدعوية ،وحركة الذهاب والإياب إلى الداخل السوري، والدعم اللوجستي بشتى أنواعه، فضلاً عن الراحة النفسية التي وفرتها لهم الحكومة التركية.
ومن الآثار السلبية المترتبة على “الانقلاب العسكري” في حال نجاحه، كانت محور حديث مراسل “أمية برس” في مدينة الريحانية التركية، التابعة لإقليم “هاتاي”.
الدكتور سعد العثمان، مدير منظمة بردى للأعمال الإنسانية يرى أن “أولى الآثار المترتبة على اللاجئ السورين، لو نجح الانقلاب هي حالات الابتزاز، والتضييق، وقد تتطور إلى التصفية الجسدية، وإغلاق المؤسسات التي تخدم اللاجئ السوري، ومن ثم ترحيل الناشطين وتسليمهم للنظام السوري، فضلاً عن إغلاق الحدود، وقطع شريان الثورة الوحيد، مما يعني حتماً القضاء على الثورة.
خالد الفجر، مدير منظمة إنسان، والمنسق العام لمنظمات المجتمع المدني في الداخل السوري، قال في معرض حديثه لـ “أمية برس” “إن نجاح الانقلاب لن يقتصر على اللاجئ السوري فحسب، ولكن سيناله النصيب الأكبر”.
وأردف قائلاً “في ظل استمرار المحنة السورية واشتدادها في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد التدخل الروسي وعدم الأمل في أي حل سياسي، وفي ظل سقوط أخلاقي دولي، وتزايد الاحتياجات الإنسانية ، لم يراودنا إطلاقاً وقوع مثل ذلك الانقلاب، وكان بالنسبة لنا أشبه بكابوس مقيت نعد ثوانيه، وسط ذهول مطبق، فالموضوع أكبر من خدمة أو تسهيل هنا أو هناك قدمته الحكومية التركية الحالية، إنها لنا بمثابة الرئة التي نتنفس منها، وفي اللحظات الأولى من ارتفاع وتيرة الانقلاب، ظننا أننا فقدنا كل شيء.. كل شيء.. ولم يعد لنا أي أمل، فمصير مجهول ينتظر كل تركيا، فضلا عن 2.5 مليون سوري، ناهيك عن القضية السورية برمتها، إذ تعتبر تركيا السند الأول بعد الله في كل جوانب ثورتنا لا سيما القضايا الإنسانية”.
وبالانتقال إلى سوريا، صرح غسان حمو، رئيس مجلس محافظة إدلب، في حديث خاص لـ “أمية برس” “إن تركيا هي الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي، التي تطبق حكماً ديمقراطياً، وتسعى لإقامة حضارة إسلامية وسطية , وهذا لا يروق للمخططات العالمية, والرأي العام الدولي, لذلك اتجهت الأنظار إلى هذا البلد لزعزعة استقراره”.
أما الأستاذ محمد العبدو، رئيس فرع نقابة المحامين في محافظة إدلب، قال “الشعب التركي وقف مع أردوغان ليس لشخصه, وإنما وقوفهم معه، وهو رداً له على وقوفه معهم، والمؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العشرة سنوات الأخيرة أكبر دليل على ذلك”.
فشل “الانقلاب” وتنفس السوريون الصعداء، بعد أن خافوا من مستقبل مجهول ينتظرهم إذا نجح “الانقلابيون” في مشروعهم، وذهبت الحكومة التي ساندتهم منذ اليوم الأول لثورتهم.
ولا بد من التنويه بأن أصواتاً سورية، أو عربية، كانت تناهض سياسة أردوغان وحزبه، في بعض سياساته، إلا أن معارضتها له، لم يكن مبرراً لوقوفها مع انقلاب ضد “الشرعية”، فوقف أولئك إلى جانب الديمقراطية، في رسالة مفادها “لا للانقلاب.. نعم للشرعية.. نعم للديمقراطية”.
أمية برس – وضاح حاج يوسف