انقطاع الدعم الطبي عن شمال سوريا..موت يلاحق المرضى ويهدد حياتهم فمن المسؤول ؟

حذر عدد من النشطاء والعاملون في القطاع الطبي من كارثة طبية ستحل بمستشفيات إدلب   عقب تخفيض الدعم وفصل 173 عاملا فيها، ما يهدد حياة المرضى والعاملين فيها، ما دفعهم  للاحتجاج أمام مديرية صحة إدلب على هذه الكارثة الطبية والإنسانية الوشيكة ، غطى المركز الصحفي أحداثها.

يعتبر القطاع الصحي والطبي في الشمال السوري عصب الحياة لأكثر من 4 ملايين نسمة منهم مئات آلاف النازحين والمهجرين وساكني الخيام. ويعاني القطاع الطبي من صعوبات جمة أبرزها انقطاع الدعم عن هذ القطاع الحيوي، وعلاوة على ذلك فإن الشمال السوري يتعرض لهجمات من روسيا والنظام بشكل مستمر، ما يفاقم معاناة الأهالي والطواقم الطبية. وتعرضت المشافي لخسائر كبيرة سابقا، وقالت منظمة الصحة العالمية إن 337 هجومًا وقع على مرافق طبية في شمال غرب سوريا بين عامي 2016 و2019.

وحذرت منظمة العفو الدولية على موقعها من أنّ خفض المساعدات يؤدي لأزمة صحية في شمال غرب سوريا. وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية: “من المفترض أن يكون بديهيًا، بعد عامين من الوباء، أنَّ أنظمة الرعاية الصحية هي خدمات حيوية يحتاجها الناس للبقاء على قيد الحياة. لقد أدى الانخفاض الهائل في التمويل في العام الماضي على الفور إلى إغلاق المستشفيات والخدمات الحيوية، وترك ملايين السوريين – الذين عانوا من الصراع والعنف – يكافحون من أجل الحصول على الأدوية وخدمات الرعاية الصحية الأساسية”. وأكدت منظمة الصحة العالمية أن نصف المنشآت الطبية البالغ عددها 550 منشأةً في المنطقة باتت خارج الخدمة، فيما غادر عدد كبير من الأطباء الأكفاء المنطقة، وترك الباقين منهم تحت ضغط كبير ورحمة الداعمين.

وغطى فريقنا الإعلامي الوقفة الاحتجاجية والتقى بسيدة مسنة مريضة قلب وربو ناشدت من خلال منبرنا المنظمة المانحة وأشارت إلى الحاجة الماسة لوجود طبيب قلبية ونسائية. وأشار شاب ثلاثيني إلى فصل عاملين وتخفيض الخدمات، كما ناشد بإعادة تقديم الخدمات لمستشفيات أرمناز والقدس وأطمة الخيري ولاسيما في هذه الظروف المعيشية الصعبة. واشتكى مهجر أربعيني من نقص في عيادات العينية والقلبية والجلدية والعصبية. كما استنكر نازح تخفيض الخدمات في حين أنهم كانوا ينتظرون تحسين الوضع الطبي في المخيمات ولسكان المدينة والنازحين إليها لا قطع الدعم، وأشار إلى أن أي حادث الآن يترك الأهالي الموجودين في مخيمات أطمة مضطرين للتوجه لمستشفى باب الهوى الذي يبعد عنهم 25 كيلومتر وسط صعوبة المواصلات والكثافة السكانية الكبيرة، وطالب بإعادة فتح مستشفى أطمة لأنه القلب النابض وشريان الحياة للمدينة. ولفتت سيدة إلى الجهود الطيبة التي قدمتها المراكز سابقاً من خلال دعم منظمة هاند ان هاند، وأبدت ابنة الراحل مانح المحلي خوفها من عدم تلقي العلاج حال مرضها.

حلول بديلة يطرحها العاملون ورأي المنظمة في ذلك والآثار المترتبة على الفصل

طرح عدد من الأطباء والممرضين حلولاً بديلة منها التنازل عن جزء من رواتبهم أو تخفيض الرواتب للجميع أو حتى العمل بلا أجر مادي، مقابل عدم فصل زملائهم من العمل، إلا أنّ المنظمة رفضت الحلول المقدمة دون تبرير. ويترتب على هذا الفصل خسارة أطباء وممرضين لديهم خبرة كبيرة في القطاع الطبي لخبرتهم الطبية مدة  خمس سنوات أو أكثر، إلا أن المنظمة لم تلق بالاً لذلك.

ناهيك عن الأزمة المعيشية الخانقة التي يمكن أن يخلفها فصل العاملين على الأسر التي يعيلونها، وكذلك الأزمة الطبية التي يمكن أن تؤدي إلى تراجع أداء القطاع الطبي بسبب نقص العاملين فيه واحتشاد المرضى في القطاعات الطبية.

وتواصل معنا نشطاء وأكدّوا لنا توقف استقبال الحالات المرضية لانقطاع الدعم عن مشفى حريتان في دير حسان لانتهاء العقود مع بداية العام الحالي وعدم تجديدها، كما لفتوا إلى توقف عدة مشافي عن العمل منها مشفى أرمناز ومعرة مصرين ومشفى القدس وسط الدانا ودير حسان اعتبارا من بداية العام الجديد. كما يوجد في الأقسام القلبية والصدرية والعظمية والجراحية أطفال وعدد من العيادات كالأشعة ومنظومة للأطفال. وتوقف عدد من الأطباء عن العمل في العيادات البولية والأذنية والتخدير، بناء على تعليمات منظمة هاند أن هاند.

أدت هذه الإجراءات الى فقدان الخدمة الطبية بشكل شبه كامل وحرم مئات الآلاف من النازحين المستفيدين من هذه الخدمات التي كانت تقدمها المنظمة سابقا وبالتالي سيزداد الأمر سوءا عن ما كان عليه في ظل الحرب الدائرة رحاها على الفقراء الذين هم الشريحة الأكبر في هذا المجتمع.

لمحة عن الخدمات الطبية المقدمة في منطقة أطمة في ريف ادلب وما الصعوبات التي تواجهها

تواصلنا مع المكتب الإعلامي في منظمة “هاند ان هاند ” للوقوف على حقيقة ما يجري على الأرض وطرحنا عليهم عدة أسئلة وبادلونا بالإجابات التالية:

ما صحة قطع الدعم عن 173 من الكوادر؟

أجاب المكتب الإعلامي أن أكثر من 10 منشآت طبية تعمل على خدمة الأهالي ولكن الذي حصل هو تخفيض 173 موظفا من أصل 900 موظف يعمل في هذه المنشآت وليس قطع الدعم، فالدعم مستمر لكن خفض المانح مخصصات المنشآت الطبية، علما أن المانح هو واحد لكل المنشآت التي تم تخفيض الدعم فيها.

وأكدت مصادر مستقلة لنا أنّ الدعم السابق للمنظمة بلغ 12 مليون يورو في حين تم تقليصه إلى 10 مليون يورو، وقد يكون هذا الدافع وراء تقليص الخدمات الطبية وفصل بعض العاملين.

هل يوجد قطع للخدمات الطبية عن المشافي والمراكز الطبية؟

قدم الفريق الإعلامي تطمينات قائلاً ” كما ذكرنا لا يوجد قطع للخدمات الطبية وإنما تخفيض بعض الخدمات نتيجة تخفيض المنحة المخصصة من المانح وأغلب هذه الخدمات المخفضة ثانوية تكميلية وليست منقذة للحياة ومتوفرة في منشآت طبية مجاورة”.

ما أسباب قطع الدعم وكيف يمكن تلافيه؟

تخفيض الدعم المقدم جاء من المانح وكمنظمة يداً بيد لسنا أول المنظمات التي تواجه تخفيض الدعم ولن تكون الأخيرة، فالكثير من المنظمات واجهت في الفترة الأخيرة هذا التحدي. بالنسبة لتلافي تخفيض الدعم فإننا نعمل على ثلاثة خطوط، أولا: محاولة التنسيق مع الشركاء لتأمين تقديم الخدمات التي تتوقف في منشآتنا لدى منشآت أخرى لتحقيق تكامل الخدمات. ثانيا: التواصل مع مانحين جدد لتأمين دعم جديد لمنشآت جديدة ولمحاولة إعادة تقديم الخدمات التي توقفت. ثالثا: بذل أكبر جهد ممكن من قبل كوادرنا لسد النقص الحاصل نتيجة تخفيض بعض الكوادر لتقديم أفضل خدمة طبية لأهلنا.

ما آثار قطع الدعم عموماً، وما مصير الأهالي والمرضى؟

لن يشعر الناس والأهالي والمرضى بتغيير كبير في تقديم الخدمات في منشآتنا، باستثناء عدد محدود من المستفيدين كانوا يقصدون بعض الخدمات الثانوية المخفضة، أما الخدمات الأساسية ما زالت تقدم بنفس السوية تقريبا، وبوجود منشآت مجاورة تقدم نفس الخدمات التي تم تخفيضها. هذا الأمر يدعم استقرار تقديم الخدمات ويخفف آثار تخفيض الدعم لدى بعض المنظمات. نحن في منظمة يداً بيد للإغاثة والتنمية حريصون كل الحرص على الحفاظ على موظفي منشآتنا فهم رأس مالنا الحقيقي بل ونسعى لتوسيع الخدمات وزيادة الموظفين، ولكن موضوع تخفيض الدعم ليس بيد أحد سوى المانحين، ومن جهة أخرى نسعى بكل ما أوتينا من قوة للحفاظ على تقديم الخدمات الطبية لأهلنا بأفضل جودة وخدمتهم بأفضل شكل.

هل توجهون نداء لأحد وماذا تقولون في نهاية اللقاء؟

من هذه المنبر نهيب بجميع الإخوة عدم اتباع الأخبار المضللة والمزيفة والتي لا تعكس الحقيقة وتعمل على بث المعلومات المغلوطة لأي حدث. كما تواصلنا مع مسؤولة ملف الشرق الأوسط السيدة لينا شيلهامر في المنظمة الداعمة مالتيزا وطرحنا عليها عدة أسئلة منها ما حقيقة فصل 173 عامل من القطاع الطبي شمال سوريا .

• ما تعليقكم على الحلول البديلة المطروحة من العاملين حول تخفيض أجور جميع الموظفين بنسبة 20% مقابل الحفاظ على نفس الخدمات المقدمة، حتى أنهم اقترحوا العمل لمدة شهرين كمتطوعين إلا أنّ المنظمة الوسيطة رفضت، لانّ المنظمة مالتيزا هي صاحبة القرار ولا تقبل بدائل أخرى للفصل لتقليل التكاليف؟

ردت السيدة لينا شيلهامر أن ّ عملهم يعتمد على التبرعات وتمويل المانحين إلا أنّ هذا التمويل الخاص بسوريا تراجع كثيراً خلال الفترة الأخيرة ولكن المنظمة سعت للحفاظ على جودة الخدمات المقدمة من خلال ترشيد الخدمات. وأكدّت شيلهامر أنّ جائحة كورونا أثرت على الدعم وتواجه المنظمة التقلص الدائم للدعم، فكان لابد من تقليل حجم الخدمات المقدمة وإعطاء الأولوية للخدمات الطبية الأساسية. ولم تحدد شيلهامر اذا كان هذا التخفيض دائما أو مؤقتا واكتفت بتوجيه الأنظار حول الدعم المقدم من المانحين.

ونشر منسقو استجابة سورية بياناً على صفحتهم الشخصية حذروا من أزمة جديدة تعاني منها مناطق شمال غرب سوريا تضاف إلى العديد من الأزمات الموجودة في المنطقة، و المتمثلة بانقطاع الدعم عن عشر منشآت طبية، إضافة إلى توقف الكلف التشغيلية لعدد من المنشآت الأخرى، والتي تقدم خدماتها لأكثر من مليوني مدني مقيم في المنطقة إضافة إلى المخيمات، وسط تزايد المخاوف من توقف منشآت اخرى جديدة.

كشفت دراسة بحثية أصدرها مركز جسور للدراسات سابقاً عن انقطاع الدعم عن كثير من المنشآت الطبية التي تقدم الخدمات لأكثر من 1.5 مليون شخص في شمال غرب سوريا، فضلا عن معاناة القطاع الطبي من نقص البنية التحتية، وندرة الكوادر مقارنة مع عدد السكان.

وقال “مركز جسور للدراسات” في الدراسة، إنه بحلول عام 2022 شهدت منطقة إدلب انقطاع الدعم عن 18 منشأة طبية. وأحصت الدراسة وجود 3400 سرير في المنشآت الصحية بمناطق المعارضة السورية في محافظات حلب وإدلب والرقة والحسكة، وهي مناطق تضم ما يقارب 4.4 ملايين نسمة، بمعدل أقل من سرير واحد لكل ألف شخص، بينما المتوسط الدولي 2.9 سرير لكل ألف شخص؛ ما يعني وجود نقص شديد في عدد المرافق الصحية بمناطق المعارضة السورية.

مع بداية العام الجديد يخشى مراقبون من انقطاع الدعم الطبي والإغاثي وتحكم النظام السوري بإيصاله، بعد أن قالت روسيا إن موافقتها على إدخال المساعدات الأخير في مجلس الأمن عبر الحدود قد تكون لآخر مرة هذه الدورة، وقدعزا محللون المرونة الروسية هذه كمد لتركيا، للمصالحة التركية-السورية، وبشروط تساوي الشحنات الإغاثية عبر خطوط التماس القادمة من مناطق سيطرة النظام السوري مع الداخلة من معبر باب الهوى، ما يجعل الوضع الإنساني والطبي والإغاثي لملايين النازحين والمهجرين بين فكي كماشة لا ترحم، ويدق ناقوس الخطر لسد احتياجات الأهالي على جميع الصعد والمجالات.

تقرير خبري