أثارت الإنجازات الميدانية التي حققتها فصائل المعارضة والجيش التركي في عملية “درع الفرات” الموجهة ضد تنظيم الدولة في ريف حلب الشمالي، تساؤلات حول العوامل التي تقف وراء انسحاب التنظيم من مناطقه في الريف، وهل يأتي في سياق التكتيك العسكري، أم العجز عن تحقيق الانتصار؟
يقول الناشط الإعلامي خالد الحلبي، إن ما تم تحقيقه ميدانيا لم يكن متوقعا، فعند انطلاق عملية “درع الفرات” كان الجميع -بما فيهم الأتراك- يتوقعون معارك ضارية مع تنظيم الدولة؛ على غرار ما شاهدناه في منبج، حيث كبد التنظيمُ المعارضة خسائر كبيرة، على الرغم من التمهيد للمعارك من قبل طائرات التحالف الدولي.
وأضاف لـ”عربي21” أنه “عندما بدأت تسقط القرى المحيطة بمدينة جرابلس؛ توقع الجميع أن هذه خطة من تنظيم الدولة؛ تقضي باستدراج الثوار للمدينة”، مشيرا إلى أن “المفاجأة كانت في سرعة دخول الثوار إلى جرابلس، وهذا ما حدث في الراعي وأخترين”.
وتابع الحلبي: “الأمر الأكثر غرابة منذ انطلاق عملية درع الفرات؛ هو سقوط قرية دابق التي كانت ميدان ملحمة التنظيم الذي جند الآلاف من أجلها، فدابق -بغض النظر عن أهميتها من الناحية الدينية للتنظيم- هي منطقة استراتيجية، كونها قريبة من مدينة الباب”.
وعزا الحلبي سرعة تقدم فصائل المعارضة وانسحاب التنظيم؛ إلى “الخبرة التي اكتسبها التنظيم من المعارك في العراق وسوريا، وخاصة تجربة عين العرب (كوباني)، والتي أفادته بضرورة عدم التمسك بالجغرافيا؛ لأن هذا سيكبده خسائر مع الانسحاب في نهاية المطاف”.
واقع العمليات فرض الانسحاب
من جهته؛ قال القيادي في الجيش الحر، الملازم أبو همام، إن “تنظيم الدولة لم ينسحب بهدف التحضير لمعارك الباب، وإنما واقع العمليات فرض عليه ذلك”.
وأضاف لـ”عربي21” أن “عدم وجود حواضن شعبية لتنظيم الدولة؛ ساهم في انسحابه، على عكس ما جرى في معاركه مع الوحدات الكردية (ي ب ك) وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث كان الأهالي يتخوفون من تلك المليشيات، مما جعلهم يفضلون تنظيم الدولة عليها، وهذا الأمر لا ينطبق على الثوار”.
وحول وجهة المعارك بريف حلب الشمالي في الأيام القادمة؛ أوضح أبو همام أنها ستكون على جبهتين؛ الأولى في مدينة الباب ضد تنظيم الدولة، والثانية في تل رفعت ضد القوات الكردية، مؤكدا أن “فقاعة قوات سوريا الديمقراطية انتهت، وهذا سيكون له انعكاسات إيجابية على ثورة الشعب السوري”.
خطط عسكرية وأبعاد سياسية
أما القيادي المقرب من الجهاديين، أبو خزيمة الحضرمي؛ فذهب إلى القول إن “جميع انسحابات تنظيم الدولة جاءت بحسب خطط عسكرية”.
وأضاف لـ”عربي21” أن “لانسحابات التنظيم أبعادا سياسية أيضا، منها خلط الأوراق في المنطقة، وجر تركيا والمعارضة إلى صراع مباشر مع الوحدات الكردية”، مشيرا إلى أن “قضاء تركيا على الحلم الكردي هو في مصلحة التنظيم أيضا”.
وتابع: “أراد التنظيم ألا يكون بين فكي كماشة يتفقان على عداوته، فترك القرى التي كانت تفصل بينهما، ليصبحا على تماس مباشر”.
وأوضح الحضرمي أن “من بين أسباب الانسحابات؛ التحضير لمعركة الباب المهمة بالنسبة لمستقبل التنظيم في سوريا، على اعتبار الباب بوابة للرقة؛ عاصمة تنظيم الدولة، ومن يسيطر عليها يمكنه الوصول إلى الرقة”، لافتا إلى أن “هناك تسابقا من جميع القوى على الأرض، مدعومة بالدول الداعمة لها، للوصول إلى هذه المنطقة”.
وعن كيفية تعامل تنظيم الدولة مع المعارك التي تُشن ضده؛ قال القيادي الجهادي إن “التنظيم لن يكرر سيناريو جرابلس والراعي، وسيبدي مقاومة ضارية قد لا تتحملها قوات فصائل المعارضة، ولا الأتراك”، مشيرا إلى أنه “بدأ منذ مدة بالتجهيز عسكريا لمعركة الباب، حيث قام بحفر الخنادق، ووضع الألغام في بعض الجهات المتوقع أن تهاجمها قوات درع الفرات”.
وبيّن الحضرمي أن “تنظيم الدولة سيعتمد على أسلوب المفخخات ضد المهاجمين، وهذا لم يفعله حتى الآن في جرابلس والراعي ودابق”، مؤكدا أنه “لن يفرط في مدينة الباب بسهولة، وخاصة أنه يمتلك فيها حاضنة جهادية وعشائرية موالية له”.
عربي21