قالت أم محمد أنا امرأة مهزومة نفسيًّا مضى تسعة أعوام على وفاة زوجي وأعيش وحيدةً حاليًّا ، كبر أولادي ، وقطع كلامها تنهيدة تخفي حزنًا أعمق لتكشف عن خبايا نفسها قائلةً “ما عاد حدا تذكرني”.. صمتت برهةً استجمعت قواها لتتابع الحديث متسائلةً ” “عيب إذا فكرت بالزواج”؟؟
لم يكن من السهل عليها أن تسمح لهذه الكلمات أن تخرج من فمها لتترجم حزنًا خبأته لتسع سنين في قلبها ، لكنه بات عصيًّا عن الكتمان.
أم محمد اسم مستعار المرأة الأربعينية المنحدرة من وسط سوريا وارى التراب جسد زوجها لتغدو وحيدةً مع ثلاثة من أولادها وقد بلغوا السن التي يستطيعون معه الاعتماد على أنفسهم فكبيرها ابن العشرين عامًا والأوسط سبعة عشرَ عامًا وثالثها خمسة عشرَ عامًا.
سردت (أم محمد ) بدموع غزيرة بعد تردد وصمتت طويلًا :”هلئ عمري سنة 45 ولادي كل واحد راح من طريق وعم يشتغلوا وكل ما قول بدي أتزوج بيحكو عليي”
كانت تخاطب مجتمعًا يحاول كتم صوت ألمها بكلمة “العيب” التي يفسرها وفق ما يراه و ما يريده أضافت أم محمد شارحةً عن ليلها الطويل وكيف تقتضيه بدموع حائرة : “أنا كتير زعلانة على حالي وكل يوم بنام عم ببكي ”
لكنها بالكاد أنهت حديثها حتى حدّقت السيدات بها – اللواتي جمعتها بهن جلسة لاحتساء القهوة في منزل أحد جيرانها- ليرسلن إليها نظراتٍ من أعينهن أشدَّ من وقع السهام عليها، فبعضها لوم وتقريع يحمل زجرًا ونهيًا وكأنهن يقلن لها :”كيف تجرأت على طلب الزواج ألم تخجلي من ذلك ؟ كيف سمحت لمكنونات نفسك بالخروج؟ ألم تتعلمي الصبر”!!
ولكن بعض تلك النظرات التي حملت شفقةً وتحذيرًا حيث أدلت بجوابها امرأة كما نقلته لي قائلةً “بدك تعمري بيتك على حساب بيت غيرك؟ ما في ست بترضى تنزلي عليها ضرة ”
بينما نصحتها الثالثة أن تبتعد عن رجل له امرأة وأطفال حيث صرحت “خدي رجال مرتو ميتة هي ما عادت ترجع بزمانها وهيك ما بتكوني خربت بيت حدا ”
في حين قرعتها رابعة طالبةً منها أن تنسى الزواج وتلتفت لآخرتها كما قالت لها “لتصيري ست ما عيب تتجوزي؟! ، إلي متلك بيدور على شي ينفعو بآخرتو التزمي بيتك ومصحفك “.
كانت تروي حكايتها وكأنّ بركانًا يعصف بقلبها نطقت وكأن صخرة كانت جاثمةً على صدرها رفعتها لتكسر حاجزًا من الصمت “طلبت الحلال ليه عم يصعبوا عليي”
وختمت حديثها بتساؤل عن حق الإنسان بالإفصاح عن مشاعره حيث قالت “امتا الناس بدها تترك وصايتها على قلوبنا وأحوالنا امتا بيفهموا هاد الشي”
كانت تقتات على بعض ما يقدمه لها أبناؤها وأفراد أسرتها فهي غير عاملة ومحرم عليها الخروج من المنزل إلا بشكل محدود وبمرافق يحفظها فهي محط أطماع الآخرين ريثما تقضي الباقي من عمرها ، فألسنة الناس لا ترحم.
قصة خبرية/ امل الشامي