رأي القدس العربي
تتعاقب تحذيرات هيئات إغاثية ومنظمات طبية وإنسانية دولية من وقوع كارثة صحية هائلة في اليمن مع انتشار فيروس كورونا المستجد، مشيرة إلى أن ما يُعلن من أرقام إصابات أو وفيات هو أقل بكثير من الأعداد الفعلية، بالإضافة إلى أن بعض الأطراف تتعمد تخفيض الأحجام الفعلية للجائحة أو حتى تتستر عليها عن سابق قصد.
على سبيل المثال، قالت منظمة «أطباء بلا حدود» إن المركز الذي تديره في عدن يتلقى من المعطيات حول الوفيات ما يؤكد «وجود كارثة أوسع نطاقاً في المدينة»، خاصة وأن المصابين يصلون إلى المركز بعد أن يكون الداء قد استفحل وبات إنقاذ حياتهم مهمة صعبة أو مستحيلة. من جانبها كانت الأمم المتحدة قد حذرت من أن نظام الرعاية الصحية في اليمن قد «انهار فعلياً»، وقال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للمنظمة إن موظفي الإغاثة يضطرون إلى الاعتذار عن معالجة المرضى بسبب عدم توفر إمدادات كافية من معدات الوقاية الشخصية أو الأكسجين الطبي.
وأما في العاصمة اليمنية صنعاء فإن «سلطة الأمر الواقع» التابعة للحوثيين حولت مكافحة الجائحة إلى ملف أمني فمنحت أجهزتها صلاحيات تتبّع الناس واعتقالهم والحجر عليهم بعيداً عن المؤسسات الصحية المختصة، حسب بيان أصدرته من جنيف منظمة «سام» للحقوق والحريات. وأضافت المنظمة أن العدد الفعلي للإصابات بالفيروس يُعدّ بالآلاف والوفيات تتجاوز المئات، حيث تحولت مشافي صنعاء وإب إلى مراكز تقتصر على علاج مرضى الجائحة وسط تكتم بالغ وإجراءات أمنية مشددة.
ومن جانبها تتنصل الحكومة اليمنية من أعباء مواجهة الجائحة وتلقي بالمسؤولية على عاتق خصومها من الحوثيين في الشمال والمنشقين في الجنوب، متغافلة عن حقيقة أنها تقف مكتوفة اليدين إزاء تفاقم الكارثة، ليس بسبب عجزها عن أداء الحدود الدنيا من الواجبات المناطة بها فقط، بل كذلك لأنها أصلاً حكومة تابعة لرعاتها في الرياض، وقراراتها أسيرة ما يُرسم لها خارج السيادة الوطنية. وما دامت تعلن أنها مالكة الشرعية، فمن الطبيعي أن ينظر المواطن اليمني إلى تقصيرها على نحو أكثر مرارة وإحساساً بالخذلان من نظرته إلى الحوثي أو الانتقالي.
ومنذ العام 2017 كانت الأمم المتحدة قد أعلنت أن اليمن تمثل الكارثة الإنسانية الأكبر على نطاق العالم، وأن 80 في المئة من السكان، أي ما يقارب 24 مليون نسمة، بحاجة إلى هذا الشكل أو ذاك من المساعدة الإنسانية العاجلة. وفي العام الماضي شهد موسم الأمطار انتشار الكوليرا على نحو اعتُبر الأسوأ في التاريخ البشري وهو حتى الساعة ليس تحت السيطرة، ولقد ترافق وصول جائحة كورونا إلى اليمن مع موسم الأمطار لهذا العام أيضاً، مما يضاعف كثيراً المخاطر الهائلة الناجمة عن تعايش الجائحتين، في بلد جرى تصنيفه الأفقر على نطاق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومن المفارقات التي تثير الغضب والحزن معاً أن المنظمات والهيئات الدولية تستميت من أجل جمع التبرعات لمواجهة الكارثة الوشيكة في اليمن، في حين أن رعاة تدمير البلد وتقسيمه في الرياض وأبو ظبي ينفقون المليارات على إشعال الحروب في باحات الآخرين، وكيد المؤامرات الرخيصة والمغامرات الخاسرة، وممارسة التجسس، والهرولة نحو التطبيع، وإعادة تدوير الطغاة الصغار.